* أصعب فترة في حياة الطالب هي فترة ما بعد المرحلة الثانوية، وقبل الالتحاق بالجامعة.. هذا مفترق طرق صعب، ومرحلة يكتنفها الكثير من التشويش والغموض وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للكثيرين الذين يفقدون توازنهم النفسي وترتفع لديهم نسب التوتر والقلق والارتباكات النفسية؛ وصولاً للاكتئاب أحيانًا مع تلك التحولات الدراماتيكية.. وتزداد هذه الفترة غموضًا وإرباكًا مع ما تقوم به معظم الجامعات للأسف من عدم إيضاح لحقيقة الكثير من التخصصات الجامعية القديمة، والتي بالرغم من خروجها نهائيًا ومنذ زمن بعيد من سباقات سوق العمل، إلّا أنها لا تزال تُدرّس في الجامعات لمجرد أنها أقسام قائمة، لها ميزانيتها وأساتذتها (الذين يجب عدم قطع عيشهم) حتى وإن كان على حساب الطلاب، وهو ما يعتبره البعض نوعًا من (التغرير) الذي لا يليق بمؤسسات أكاديمية يجب أن تسير مياهها في نفس اتجاه نهر الوطن لا أن تعاكسه.
* في الغالب لا تحقق الجامعات الرغبات الأولى للطلاب إلا بمعدل لا يتجاوز 5 - 10%
فقط، بينما يتم تحويل السواد الأعظم من هؤلاء الطلاب إلى تخصصات أخرى من اختيار الجامعة، لم يفكر فيها معظمهم بل ربما لم يسمع بها بعضهم على الإطلاق، وهذا قد يكون مفهومًا ومقبولاً لو كانت هذه التخصصات (حيّة) و(مطلوبة) في سوق العمل بجناحيه الحكومي والخاص.. فالجامعة لا يمكنها تحقيق كل الرغبات هذا أمر مفهوم ومقدّر، لكن غير المفهوم هو أن يتم إجبارهم على تخصصات لم يحصل أحد من خريجيها على وظيفة منذ عقود، فهذا تكريس علني للبطالة، وتعميق لمشكلة وطنية تساهم فيها الجامعات بدم بارد، وكان الأجدر بها أن تبادر بجرأة لغلق هذه الأقسام نهائيًا، أو تعليق القبول بها لفترة على الأقل!.
* ولكي نسمي الأمور بمسمياتها ودون مواربة أقول: لماذا يتم تحويل عدد كبير من الطلاب في كل عام إلى تخصصات مثل الفيزياء والأحياء والرياضيات والجغرافيا مثلاً، وكأننا نملك مفاعلات نووية وصناعات ثقيلة تحتاج الى عدد كبير من العلماء سنويًا!. أكاد أجزم أنه لولا أن الجامعات تجبر بعض الطلاب على هذه التخصصات ما التحق بها أحد خصوصًا وهم يرون من سبقهم ما زالوا يفترشون الأرض على أرصفة البطالة.
* من أهم الواجبات الأخلاقية للجامعة أن توضّح الصورة بأمانة ونزاهة للمجتمع كاملاً.. وأن لا تجبر الطلاب لأي سبب وبأي شكل على تخصصات غير مطلوبة؛ فقط من أجل مجاملات أكاديمية، أو حتى من باب (هذا هو الواقع.. فماذا نفعل؟!). كما أن عليها الإيمان -وهذا هو المهم- أن كل شيء يتغير؛ حتى التخصصات الأكاديمية التي يجب أن تكون مرنة ومرتبطة بقوة بحاجة البلدان واقتصادياتها وخططها التنموية، والأهم ألا تجد إدارة الجامعة حرجًا في إغلاق تخصص غير مطلوب واستبداله بآخر أكثر طلبًا.