Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عادل خميس الزهراني

رسالتي الخاصة إلى غازي القصيبي.. تلك التي فعلت به الأفاعيل..

A A
هل سبقَ أن أردتم إرسال رسالة مكتوبة لصديق أو حبيب أو نموذج تنظر إليه (أو إليها) نظرة إعجاب وإكبار، لكنكم ترددتم في إرسالها، أو تراجعتم قبل أن تفعلوا. لعلكم انشغلتم، أو خطر لكم أنها فكرة ساذجة عبرتكم في لحظة ضعف عاطفية.. إن أردتم نصيحتي: أرسلوها.. (اختاروا الوقت المناسب، والطريقة المناسبة، وأرسلوها... كلي يقين أنها ستصل..!!).

كنتُ -ولا أزال أكرر- أن غازي القصيبي كان -ويظل- أحد أهم الذين تأثرت بهم في حياتي؛ تأثرت بغزارة قلمه ورشاقته الأدبية، كما تأثرتُ بنضاله «البرجوازي» الصغير، وطموحه المستمر، ووطنيته التي لم تشبها شائبة أبداً.. كانت دواوينه صديقتي منذ الصغر، وفي الجامعة كنت أحمل «سيرته الشعرية» في المحاضرات، وأعيش معها علاقة حب سرية، لم يتنبّه لها إلا دكاترتي وكل الأصدقاء.. وهكذا كان الحال مع رواياته لاحقاً، ومقالاته، وكتبه الصغيرة في الرحلة والسيرة والإدارة.

في العام 2004 كتبتُ له رسالة خاصة «جداً»، رسالةَ صديق لصديقه.... من هنا كنت متأكداً أن الرسالة ستصيبه في «مهطل»...!! لعلي وصلتُ حينها إلى مرحلة أفهم فيها ما الذي يمكن أن يشد انتباهه، ويجعله يدسُّ الرسالة في جيبه، ليخصص لها وقتاً قبل النوم.. تصورته يفعل هذا، ويضحك.. وربما يتعجّب.. لأني طلبته أن تظل الرسالة بيننا، فلا يفضحني بين الله وخلقه.. تصورتُ الدماء تجري في عروقه عكس مسارها المعتاد، لأن هذا الذي كتب، يشبهه، لكنه يتحداه في الوقت نفسه.. تصورته في الصباح -وقد نام قليلاً فقط- يسأل مدير مكتيه عن الرسالة، وصاحبها، ثم... تدرون ما التالي... أعتقد ذلك!؟

في العام 20015، أخرج لنا المخرج بوب ياري فيلم (Papa: Hemingway in Cuba )، الذي يحكي علاقة قصة حقيقية بين شاب صحفي وبين «قدوته» في الكتابة، دارت أحداثها في كوبا، وصُورت معظم مشاهدها في بيت إرنست همنقواي هناك، بالإضافة إلى أحياء كوبا وشواطئها.. الفيلم يركز على الأيام الأخيرة للكاتب الأمريكي الملهم، الذي كان يعيش أزمة نهاية العمر (مشاكل عنيفة مع زوجته، تأزمات نفسية وعدم فهم حقيقي للواقع، إدمان الشرب، ومحاولة الانتحار).. لم يكن الفيلم عملاً عظيماً، ولا يمكن القول إنه فيلم يلتصق بالذاكرة كثيراً، إذا ما استثنينا الاقتباسات المتفرقة من حكمة همنقواي وأفكاره العميقة، لكن اللافت أن القصة بدأت بين الرجليْن برسالة.. كان الشاب الصحفي إد ميرس (يقوم بدوره جيوفاني ريبيسي)، يعمل في صحيفة ميامي هيرالد حين قرر أن يرسل رسالة لأديبه المفضل ونموذجه الأعلى همنقواي (يؤدي دوره أدريان سباركس)، وكانت مفاجأة إد الكبرى حين تلقى الرد: «تلقيتُ رسالتك.. رسالة جيدة جداً... «هل تحب صيد السمك»؟!».. وهكذا بدأت العلاقة التي انتهت بانتحار صاحب (الشيخ والبحر).

غازي القصيبي لم يدعني لصيد السمك طبعاً.. لم تكن هوايته المفضلة على ما يبدو، الرياضات عموماً لم تكن من هواياته.. ربما كان السفر هوايته الأقرب لقلبه.. بالإضافة إلى الكتابة، والقراءة، وإدارة شؤون الوزارات والسفارات والمناصب التي شغلها بكل حب.. المهم أنه لم يدعني لأي هواية من هواياته.. ولم يرد حتى على رسالتي..

ذلك أني لم أرسلها!!

كتبتها، وأعدت صياغتها عدة مرات، ثم طبعتها طباعة خاصة تليق بصديقي غازي القصيبي.. اتصلت بمدير مكتبه.. فرحّب وهلل، ووعدني أن يسلمها له، مع توصية خاصة.. ابتهجتُ.. وضعتُ الرسالة وسط كتاب من كتبي... حيث لا تزال حتى اليوم...!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store