· فتحت الجريمة البشعة التي راح ضحيتها أحد الممرضين الأسبوع الماضي؛ الملف القديم الجديد للاعتداءات المتكررة ضد الممارسين الصحيين، ذلك الملف الذي لا يكاد يهدأ قليلاً حتى ينفجر مرة أخرى بقضية تثير الرأي العام، وتعيدنا الى مربع التساؤلات التي مازالت قائمة رغم قِدمها: لماذا تتزايد الاعتداءات ضد الممارسين الصحيين تحديداً؟!، ولماذا ينشأ هذا العنف أصلاً؟!، وكيف يمكن الحدُّ منه وتقليصه؟!.
· أسئلة جوهرية إجابتها تحتاج إلى المزيد من البحث والاستقصاء والدراسة المتعمّقة، فالاعتداءات مازالت تترى رغم تلويح الوزارة بالعقوبات المغلظة على المعتدين، والتهديد بالسجن لمدة ١٠ سنوات، وغرامات مالية تصل إلى مليون ريال، لكن بيانات هيئة التخصصات الصحية مازالت تسجل اعتداءات لفظية وجسدية وتشهيراً ضد أطباء وفنيين ومسؤولين في الإدارات الصحية!.. فما الذي يشعل فتيل هذه الحروب يا ترى؟.
· العلاقة بين المريض وذويه من جهة؛ والممارس الصحي (طبيب، ممرض، فني، إداري) من جهة أخرى هي علاقة دقيقة وحساسة جداً؛ وقابلة للانفجار في أي لحظة، نظراً لما يحيط بها من ظروف نفسية وصحية وعصبية، وعلى الرغم من ازدياد الوعي بأهمية هذه العلاقة؛ وتفّهم كلا الطرفين لها -وإن بتفاوت- إلا أن هذه العلاقة كثيراً ما تكون عرضة للتأزم والانفجار، إما بسبب سوء فهم وقلة وعي من الطرف الأول، أو بسبب سوء تعامل؛ أو سوء خدمة من الطرف الثاني، أو بسبب قلة إمكانات من الجهة الصحية نفسها، الثابت أن هذه الأزمات التي قد تبدو كشرارات صغيرة في بداياتها هي المسئول الأكبر عن معظم الحوادث التي تحصل بين الطرفين بدءاً بالصدامات اللفظية البسيطة وصولاً للجرائم الكبرى!.
· الطب مهنة إنسانية، والعلاقة بين أطراف الخدمات الطبية يجب أن ينالها قسم كبير من هذه الإنسانية.. كلنا بالتأكيد نستنكر حوادث الاعتداء على الكوادر الصحية ونجرّمها، لكن الوزارة الموقرة التي نقدّر وقوفها إلى جانب منسوبيها وتقديمها لمشروع حماية لهم يجب أن تنظر في نفس الوقت إلى الممارسات الخاطئة الصادرة من بعض من يفتقرون لفنون التعامل أو الإلمام بالحالة النفسية للمرضى وذويهم، أو حتى عدم القدرة على الصبر وتحمل ضغوطات العمل، فالصدامات لا يمكن أن تكون بلا سبب، وتصرف واحد قد ينسف جهود منظمة صحية متكاملة!.
· سقوط أي ممارس صحي أمر مؤلم لنا جميعاً، نقدّر ضغوط الواجبات والمسؤوليات المتعددة عليهم خصوصاً في هذه الفترة، وحمايتهم ليست مسئولية وزارة الصحة وحدها بل هي مسئوليتنا جميعاً، لهذا نختم بالقول: «إن العلاقة الملتبسة بين المريض والممارس الصحي بحاجة للمزيد من الدراسة والتحليل والبحث الجاد عن الأسباب الحقيقية لمسلسل العنف المستمر.. القضية يجب أن تكون أكبر من مجرد بث رسائل توعوية، وإقامة دورات تدريبية، لا بد من إيجاد آليات تضمن ضبط هذه العلاقة المفخخة، لإيقاف هذا المسلسل الدموي المؤلم.