عشت طفولتي في مدينة جدة التاريخية بحواريها الأربع وشوارعها الضيقة المتعرجة، حيث أخرج كل صباح من دارنا في جنوب المدينة إلى مدرستي مدرسة الفلاح في شمالها.
كانت بيوت مدينة جدة التاريخية معروفة، هذا بيت الخميس، وهذا بيت غراب، وهذا بيت نصيف، وهذا بيت باعشن، وهذا بيت لنجاوي، ولم تحمل هذه البيوت أرقامًا كما هو حال المدن حاليًا.. ولم يكن لشوارعها أسماء باستثناء الشوارع الرئيسية والأسواق التجارية، وكان من أشهر شوارعها التجاربة شارع قابل، وشارع فيصل، وسوق الندى، والخاسكية، والعيدروس.
وقد نمت مدينة جدة نموًا كبيرًا جدًا لنزوح سكان القرى والمدن الصغيرة المجاورة لها للعمل فيها باعتبارها المدينة التجارية الأولى في المملكة، فأصبحت مدينة جاذبة للباحثين عن عمل فيها، وتضاعف عدد أحيائها، بعد ازدياد عدد سكانها، فنشأت أحياء جديدة عشوائية فوق المرتفعات وفي مجاري السيول في غياب مراقبي البلديات وربما لفساد البعض.
وتم تسمية الشوارع الجديدة بأسماء بعضها لا معنى له، يدل أن من قام بتسميتها من بلد عربي، وأنهم مجموعة لا يعرفون مدينة جدة وتاريخها وأهلها، ولم يقم أحد في أمانة المدينة بمراجعتها أو القاء نظرة عابرة عليها.. ومن الأسماء التي لا معنى لها: رجلاء، ناوان، الماريه، مصابح، جداعه، نفوز السخا، خب صجاج، ابا الظلوف، بطن سبسب، خداش بن سلامة، قراقر، خزيمة بن خزمة، اللبنية، القريبانيات، نفوز حنجيران.. ومن أسماء التي أثارت انتباهي «شارع جبل المخامر» والمخامر جمع لكلمة (خمارة)!!
أسكن حاليًا في حي أبحر الشمالية بجدة وشوارعه بلا أسماء، غير أن ابني أخبرني مؤخرًا بأنه قد تم تغيير اسم شارع عابر القارات وأصبح باسم (شارع الملك فيصل بن عبدالعزيز) -رحمه الله- ووضعت عليه لوحات باسمه الجديد، وهو اسم يليق بشارع من أطول شوارع أبحر الشمالية، كما أخبرني ولدي أنه تم تسمية الشارع الذي أقيم فيه باسم غريب كما ظهر في الكمبيوتر لكن لم يتم تعليق لوحة بالاسم على جانبي الشارع ولله الحمد.
ولقد رزقنا المولى بأمين لمدينة جدة وهو معالي الأستاذ صالح التركي يعمل بهمة ونشاط في خدمة هذه المدينة الساحلية الجميلة لكي تتحول إلى مدينة ذكية في أقرب فرصة ممكنة، وورث تركة مثقلة بالمشكلات العويصة، كان الله في عونه لمعالجتها، ومنها تسمية شوارعها بأسماء معروفة من تاريخ المملكة بدلا من كثير من الأسماء التي ليس لها معنى.
لذلك أقترح على معاليه تكوين لجنة من المثقفين من موظفي أمانة جدة ومن بعض الأدباء والكتاب الصحفيين هدفها: تغيير أسماء الشوارع التي لا معنى لها، ووضع قوائم بأسماء للشوارع التي ليس لها أسماء حتى اليوم مختارة من تاريخ المملكة ومن تاريخ جدة وسكانها القدماء والمحدثين، وفيهم كثير من المثقفين الأعلام من المؤلفين والكتاب الصحفيين والأطباء ورجال الأعمال المخلصين والمطربين والموسيقيين ولاعبي كرة القدم البارزين والطيارين والبحارة والوزراء والضباط والمعلمين والمتبرعين بأعضائهم لمن يحتاج اليها، على ألا تقتصر أسماء شوارع هذه المدينة الحضارية على الرجال، بل يجب أن تكون شاملة للرجال والنساء.
وأعلن بالمناسبة عن استعدادي لإعداد قائمة بمئات الأسماء التي يجب تكريمها بوضع أسمائها على شوارع جدة مدينة الحب والجمال والاتحاد والأهلي.