* مريض انتقل إلى رحمة الله بعد أيام من سماعه صراحة (اشتباه كورونا)، تلك العبارة التي وقعت على رجل مسن بما لا يمكن وصفه، فصدمة الخبر ليست في ذات الخبر، ولكن في طريقة الإخبار به، فكما لا يخفى طبياً أن العامل النفسي له دور كبير جداً في حصول المرض والتعافي منه، فهنالك فرق كبير بين أن يتولى (مختص نفسي واجتماعي) اخبار المريض بما لديه، وبين أن يُصارح وجهًا لوجه بذلك، بدليل ردة فعله -رحمه الله- كما يصف أحد أبنائه: «لن أنسى نظرة أبي عندما سمع هذه العبارة حيث صد بوجهه على الجدار خوفاً علينا من العدوى».
* لحظة فاصلة غيرت كل شيء من حوله، وما كان في نفسه رحمه الله من شعور لحظتها لا يعلمه إلا الله، ومع ذلك كان ينادي أبناءه مطمئناً (أنا بخير) هكذا هو الأب دوماً همه أبناءه حتى وهو من الداخل يعيش في عمق المأساة والانكسار، إلا أن ما بعد ذلك فصول أخرى من معاناة انقطاع تواصله بأبنائه أو تواصلهم معه ولو بأضعف الإيمان عبر الاتصال المرئي، الذي يُفترض وجوده كبديل؛ لأهمية ذلك في الدعم المعنوي والنفسي للمريض.
* بعد ذلك الانقطاع التام بين المريض وذويه وغياب أي دور ملموس للأخصائي الاجتماعي جاء الاتصال بخبر أنه انتقل إلى رحمة الله، هكذا كانت النهاية المأساوية التي اكتفى ابنه مستشهداٌ بقوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)، ومع ذلك أكد على رسالة هامة رغم فداحة مصابهم الأليم بفقد والدهم، آملاً في الأخذ بها؛ حتى لا يتكرر ذات الموقف مع آخرين.
* فوجود الأخصائي الاجتماعي الطبي عامل هام، بل أنه ركن أساس في قوام أي مرفق صحي، ولا يمكن أن يعمل الكادر الطبي في معزل عن ذلك التخصص، الذي يقوم بدور هام جداً في التعامل مع المرضى، وإيجاد حلقة اتصال بينه، وبين المحيطين به من أطباء، وصولاً إلى ذويه، وايجاد بيئة تدفع بالمريض إلى الأمل، وتجعله نفسياً يتفاءل بالحياة، وحصول الشفاء، حتى وإن رأى الأطباء كتقييم لحالته غير ذلك.
* وهنا تحضرني قصة ذلك الابن الذي جلس لسنوات يراجع بوالده، وهو يعلم صعوبة حالته، ومع ذلك توفي رحمه الله دون أن يعلم ما هو مرضه، فكم هو الفرق بين الحالتين: حالة عاشت بأمل، وحالة وضعت نقطة آخر السطر لأملها -الذي يفترض أن يكون بلا حدود- في بدايته، بقي أن أشير بصيغة التأكيد على أهمية تفعيل دور الأخصائي النفسي والاجتماعي كصانع أمل في حياة المريض، وأن غياب ذلك الدور يعني وقوع المريض تحت تأثير صدمات لاشك على تأثيرها عليه ففرق بين مريض يحاط بالأمل وآخر يحاط بهاجس الموت، حفظ الله الجميع من كل بأس ومكروه، وعلمي وسلامتكم.