كتبتُ كثيراً وكتب غيري أكثر عن الفكرة العجيبة التي تستدعي تكريم الأدباء والشعراء والمثقفين بعد موتهم، لقد قلنا ومازلنا نقول بأن هذه الخطوة بعيدةٌ عن الصواب فالأجود والأحسن أن يكرم الإنسان في حياته لكي يفرح بهذا التكريم ويسعد به من حوله.
لقد كتبت قبل أيام ناصيةً في الطائر الأزرق تويتر أقول فيها: يا قوم لأن يكتب أحدكم مقالاً عني وأنا حي أقرأه وأستبشر به، خيرٌ من أن يكتب ألف مقال بعد موتي وأنا بين يدي رحمة الله، ولأن يضحك أحدكم بوجهي ويكرمني خيرٌ من أن يقيم مئات الجلسات إكراماً لي بعد موتي، وفي هذه الجلسات يقال الصواب والخطأ، ويقال الصدق والكذب .
إن دمعةً في حياتي أشاهدها وأفرح بها خيرٌ من وادٍ من الدموع تسيل بعد الموت.
إنني -ولله الحمد- في عز الشباب والأعمار بيد الله، ولكن أتحدث عن طائفة كبيرة من أدبائنا و مشايخنا وأساتذتنا الذين هم الآن في بيوتهم منسيون ينتظرون من يتصل بهم أو يكرمهم، ومن العجيب أن هؤلاء لو مات أحدٌ منهم لرأيت الصحف تزخر وتويتر ينتفض من أجل الترحُّم والحنين وذكر الفضائل التي كان يتمتع بها المرحوم.
إن سُنة حسنة من الممكن أن تتبعها وزارتا الثقافة والإعلام بحيث تضعان في جدوليهما تكريم أهل الثقافة والأدب والعلم والمعرفة والفكر بشكل شهري، بحيث تبدآن برصدهم الآن وتكرمان من يستحق التكريم وفقاً لجدول زمني، وبهذا نكون قد سددنا بعض الدَّين الذي هو للفاعلين الكبار في مجالات المعرفة المختلفة، ونكون قد خففنا من كمية الإحساس بالذنب التي تزورنا بعد أن يموت هؤلاء الرواد.
حسناً ماذا بقي :
بقي القول: إنني مازلت أتأمل بأن نكرم من هو موجود بيننا من الأدباء الكبار وإن كنت أنظر بعين الأمل إلى هذا، فأنا أنظر بعين اليأس من زاويةٍ أخرى إلى أن هذا الأمر لن يتم، لأن من يطالبون بتكريم الأحياء من الأدباء هم أنفسهم من يكرمون الأموات بعد موتهم وكأنهم يقولون شيئاً ويفعلون شيئاً آخر.
هل ينفع الصوت إذا كرمنا المبدعين بعد الموت؟
تاريخ النشر: 28 أغسطس 2020 00:06 KSA
الحبر الأصفر
A A