مازالت ميليشيات الحوثيين الانقلابية تتمسك بمحاولاتها العبثية للاعتداء على المملكة وتصر بين الحين والآخر على إطلاق صواريخ إيران الباليستية وطائراتها المسيرة نحو الأراضي السعودية، رغبة في إلحاق الأذى بالقرى والمدن الحدودية، وإيقاع خسائر وسط المدنيين العزل، رغم ما يمثّله ذلك من انتهاكات واضحة لكافة القوانين والمواثيق الدولية التي تحظر استهداف الأعيان المدنية، وتصنّف ذلك كجريمة في مقدمة الجرائم الموجّهة ضد الإنسانية، وتفرض عقوبات صارمة وحازمة على مرتكبيها. وقد تسبّبت تلك التجاوزات في تزايد الإدانات الدولية للانتهاكات الحوثية وتوحيد الموقف العالمي من الجماعة التي بات ينظر إليها على أنها تهديد حقيقي لحركة التجارة العالمية.
السؤال الذي يطرح نفسه بشدة يكمن في سبب هذا الإصرار العجيب لتلك الميليشيات، فالجميع يعلم أن منظومة باتريوت التي تمتلكها بلادنا تتيح لها التصدي لكافة تلك المحاولات العبثية وإبطالها، بل إن المملكة لها القدرة على إسقاط تلك الصواريخ والطائرات داخل الأراضي اليمنية وقبل دخولها الأجواء السعودية، وهو ما قامت به في كثير من المرات.
أما الحالات التي تمت فيها عملية الإسقاط داخل المملكة فيعود السبب فيها إلى أن السلطات السعودية تقوم بتأجيل عملية التدمير رغبة في عدم سقوط مخلفات تلك المقذوفات على مناطق سكنية في اليمن حتى لا يتضرر المدنيون جراء سقوط الشظايا في تلك المناطق، وهو ما أثبتته قيادة قوات التحالف العربي أكثر من مرة. ويعلم الجميع أن الميليشيات الإرهابية تقوم باتخاذ الأحياء السكنية في كثير من المدن كمراكز لإطلاق الصواريخ، وهي بذلك الفعل تتخذ سكانها دروعاً بشرية وتعرِّض حياتهم للخطر.
وتمتاز منظومة باتريوت الصاروخية بقدرات دفاعية نوعية تتيح لها رصد تلك الصواريخ منذ لحظة إطلاقها داخل الأراضي اليمنية وتتبعها خلال سيرها ومن ثم اختيار المكان والزمان المناسبين للتصدي لها ومن ثم تدميرها. كذلك فإن حرس الحدود يستخدم كاميرات مراقبة حرارية حديثة ومتطورة ومزودة بإمكانيات متقدمة مما يجعلها قادرة على رصد الحدود على مدار ساعات اليوم وفي كافة الأحوال المناخية وسط الظلام والأمطار. لذلك فإن فرص نجاح الميليشيات في إصابة أهدافها وتحقيق مرادها تبدو منعدمة.
إذاً فإن أحد الأسباب وراء إصرار الميليشيات على تكرار محاولاتها الخائبة لا يتجاوز الرغبة في إثبات أنها لا تزال على قيد الحياة، ورفع الروح المعنوية المنهارة لقواتها التي تتعرض لهزائم متواصلة وتمنى بخسائر فادحة على أيدي قوات الجيش الوطني ورجال المقاومة الشعبية، إضافة إلى الضربات الساحقة التي توجهها لها طائرات التحالف العربي
التي قضت على كثير من قادة الميليشيات ودمرت أسلحتهم التي نهبوها من مخازن الجيش الوطني، وأرغمتهم على الانسحاب من مواقع كثيرة.
أما السبب الرئيسي -من وجهة نظري- فيكمن في أن تلك الميليشيات العميلة التي لا تملك قرارها تستجيب لتوجيهات النظام الإيراني الذي يلجأ إلى استخدامها كورقة ضغط سياسي كلما تزايدت عليه الضغوط الدولية الرامية إلى حرمانه من تطوير أسلحة الدمار الشامل، وبالتالي يحاول التلويح بورقة الحوثيين، أملاً في الحصول على موقف يتيح له تخفيف العقوبات الاقتصادية التي تفرضها عليه الولايات المتحدة، والتي نجحت في خنق نظام الملالي عبر إيقاف صادرات النفط، وهو ما اعترف به مساعد روحاني الذي قال إن بلاده لم يعد باستطاعتها تصدير قطرة نفط واحدة، وهو ما أدى إلى تجفيف الموارد المالية.
الحل من وجهة نظري يكمن في مواصلة تقديم الدعم للقوات الموالية للشرعية اليمنية، والسعي الحثيث لتوحيد مواقفها وتجميع قدراتها في اتجاه واحد هو تخليص مهد العروبة من تلك الميليشيات المارقة، وتقديم مزيد من التنازلات، وتناسي الخلافات الصغيرة، والابتعاد عن شيطان التفاصيل الذي يعرقل تحقيق الأهداف الكبرى، فاليمن لا يحتمل المزيد من التهديدات، وإنسانه ليس بوسعه احتمال معاناة إضافية، فقد بلغت الأوضاع حداً لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعه، وهو يستحق العيش بكرامة كما كان دوماً.
السبيل الوحيد لتحقيق ذلك يكمن في التطبيق الفعلي السريع لما تم التوافق عليه في اتفاق الرياض، فهو خريطة الطريق الفعلية التي خاطبت جذور الأزمة وأوجدت لها الحلول الناجعة، والدليل على ذلك هو التأييد الكبير الذي حظي به من المؤسسات الدولية. ومن الطبيعي أن تقتضي بنوده تنازلات من بعض الأطراف، فتلك هي مبادئ التفاوض وأساسياته، وإذا كان هناك طرف يريد الحصول على كافة مطالبه دون أن يقدم أي تنازلات فإن ذلك لا يمكن تسميته تفاوضاً، بل هو إملاء للشروط وهو ما لا يمثل بقعة ضوء للخروج من النفق.