استوقفني الاستدلال بأحاديث ضعيفة وموضوعة لتعظيم الزوج، وإعطائه حقوقًا ليست له في مادة الثقافة الإسلامية التي تُدّرس في جامعاتنا، وسأبدأ بِـ:
1. الاستدلال بحديث موضوع عند الحديث عن «الطاعة بالمعروف لتعظيم طاعة الزوج، بسلب المرأة حقها في التصرف في نفسها ومالها إلّا بإذنه كأنّها أمَة مُستعبدة للزوج «فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال:»التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره» [سنن النسائي(3231) وصححه الألباني]
هذا الحديث غير صحيح لأنّه لا يتفق مع منح الإسلام للمرأة متزوجة كانت أو غير متزوجة ذمة مالية مستقلة، وليس كما في المادة 213 من القانون الفرنسي التي تفرض على المرأة المتزوجة ما أوضحه الفقه الكنسي، وما استقر عليه القضاء من الالتزامات التي تنص على:»ليس للمرأة التصرّف في أي شيء، ولو كان من مالها الذي كانت تملكه قبل الزواج إلاَّ بإذن زوجها».
بينما الإسلام قد ساوى بين المرأة والرجل في الأهلية الحقوقية وفي التصرفات المالية، ويقصد بها ممارسة الشؤون المالية والمدنية من بيع وشراء ورهن وقرض وإقراض ووقف، وإبرام للعقود وفسخها، وعقد الشركات والقيام بالتجارة والوكالة والتوكيل، ورفع الدعاوى، محتفظة بحقها في التملك تملكًا مستقلًا عن غيرها، فللمرأة المتزوجة وغير المتزوجة في الإسلام شخصيتها المدنية الكاملة، وثروتها الخاصة المستقلتان عن شخصية زوجها وثروته، ولها حرية التصرّف فيما تملك ولا يجوز للزوج أن يأخذ من مالها قل ذلك أو كثر ، قال تعالى:(ولا تتمنوا ما فضَّل اللهُ به بَعْضكُمْ على بعْضٍ. للرِّجال نصيبٌ ممَّا اكتَسبوا وللنِّساءِ نصيبٌ ممَّا اكتَسَبْن واسألوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إنَّ الله كَان بِكُلِّ شيءٍ عَلِيماً) [النساء:30] وقال جل شأنه: (وَلاَ يَحِلُّ لكم أنْ تأخذوا مِمَّا آتيُتموهُنَّ شيئاً)[البقرة:229]، وإذا كان لا يجوز للزوج أن يأخذ مما سبق أن آتاه لزوجته، فإنَّه لا يحل له من باب أولى أن يأخذ شيئًا من مالها الأصيل إلاَّ أن يكون برضاها، وعن طيب نفس منها، يقول تعالى: (وَآتُوا النساء صَدُقَاتِهِنّ نِحلة فَإِنْ طِبَنَ لكم عن شئٍ منه نفسًا فكلوه هَنِيئًا مريئاً)[النساء:4] ، وقال جلّ شأنه:( وَإِنْ أَرَدُتم استبدال زَوْجٍ مكان زَوْجٍ وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوُا مِنْهُ شيئًا أَتَأْخُذونه بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وكيفَ تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعضٍ وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا)[النساء:20-21]
ولا يحل لزوج أو أخ أو ابن أو أي كائن كان أن يتصرف في أموالها إلاَّ إذا أذنت له بذلك، أو وكَّلته في إجراء عقد بالنيابة عنها، وفي هذه الحالة يجوز أن تلغي وكالته، وتوكل غيره إن شاءت، أو تُباشر أمورها المالية بنفسها.
هذا وقد انفردت الشريعة الإسلامية عن القوانين كلها بإعطاء المرأة كامل حقوق الأهلية التي يتمتع بها الرجل.
فللمرأة في الشريعة الإسلامية (متزوجة أو غير متزوجة) التصرف في مالها مطلقًا سواء كان بِعِوْض أو بغير عِوْض أكان ذلك بمالها كله أو بعضه، وبه قال الجمهور ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايتين وابن المنذر كما في المغني 4/561 والإنصاف 5/342 وشرح معاني الآثار 4/354 وفتح الباري 5/318 وغيرهم.
وقد أعتقت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها قبل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعب ذلك عليها.
قال ابن قدامة مستدلًا لقول الجمهور: «ولنا قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وهو ظاهر في فك الحجر عنهم وإطلاقهم في التصرف. وقد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن» وأنّهن تصدقن فقبل صدقتهن، ولم يسأل ولم يستفصل، وأتته زينب امرأة عبد الله، وامرأة أخرى اسمها زينب فسألته عن الصدقة «هل يجزيهن أن يتصدقن على أزواجهن وأيتام لهن» ؟ فقال : نعم، ولم يذكر لهن هذا الشرط، ولأنّ من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف فيه من غير إذن كالغلام، ولأنّ المرأة من أهل التصرف، ولا حق لزوجها في مالها فلم يملك الحجر عليها في التصرف بجميعه كأختها. اهـ
وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في شرح هذا الحديث تتمة كتاب الصيام، «باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة»، إنّ من فوائده :أنّ تصرّف المرأة في مالها جائز، ولا يشترط إذن الزوج سواء تصرفت في الثلث، أو أكثر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وموضع الدلالة من الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم لم يسأل هل هو من مالها ويخرج من الثلث أو بإذن الزوج أم لا؟ ولو اختلف الحكم لسأل. انتهى
هو أعدل الأقوال.. للكتاب والسنة والنظر فمن الكتاب قوله تعالى (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئًا مريئًا) فأباح الله للزوج ما طابت له به نفس امرأته. وقوله تعالى (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفونَ) فأجاز عفوهن عن مالهن بعد طلاق زوجها إياها بغير استئذان من أحد، فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها، وعلى أنّها في مالها كالرجل في ماله. شرح معاني الآثار4/ 352.
قوله تعالى (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم) وهذا ظاهر في أنّ اليتيمة إذا صارت راشدة جاز لها التصرّف في مالها. وكذلك لما تصدقت النساء بحليهن بعد موعظة النبي صلى الله عليه وسلم لهنّ في خطبة العيد، فهذا كله يدلّ على نفاذ تصرفاتهن المالية الجائزة دون استئذان أحد.. وللحديث صلة.
الاستدلال بأحاديث ضعيفة وموضوعة لتعظيم الزوج في مادة الثقافة الإسلامية في جامعاتنا (1)
تاريخ النشر: 12 سبتمبر 2020 00:11 KSA
A A