Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

الملك عبدالعزيز.. بطولات التأسيس ونموذج التخطيط والقيادة

صفحات مشرقة في مسيرة توحيد الوطن

A A
  • منهج المؤسس في الإسلام الصحيح جذب العقول والقلوب
  • الإقدام والحزم ومعارك حاسمة تطيح بالعثمانيين
  • إصرار وعزيمة كتبت التاريخ بحروف من ذهب
تتجدد على مدار الحقب والسنوات ذكريات إنجازات موحد الجزيرة العربية، وباني نهضة المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود -طيب الله ثراه- بتوحيد المملكة على المنهج الإسلامي الصحيح، حتى ارتقت البلاد بتوفيق من الله، ثم جهود الملك عبدالعزيز وحسن نيته وصفاء عقيدته، فتحقق الأمن بعد الخوف، والرخاء بعد الشدة، وأقام أعظم وحدة إسلامية شهدها التاريخ الحديث، وبعد أن انتقل إلى جوار ربه في 9 نوفمبر 1953م، حتى سار أبناؤه من بعده على منهجه، وأكملوا مسيرته العطرة، إلى أن تسلم الراية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي مكّن الله له ووفّقه إلى سبل الخير، والتزام نهج السلف الصالح من الأمة، فاتخذ الشريعة الإسلامية -كسابقيه- منهجًا وحكمًا، ورعى مصالح الأمة واهتم بشؤونها وهبّ لنصرة المظلوم، وتلمّس احتياجاتها، فوفقه الله ويسر لأمته على يديه من الخير، على منهج المؤسس الذي استطاع أن يحول شبه الجزيرة العربية من فراغ قوة، ومجرد تعبير جغرافي على الخريطة إلى قوة حقيقية على الساحات العربية والإسلامية والدولية.

توحيد نجد

في طريق العبور من بوابة الوحدة 1319-1324هـ (1902-1906م) انطلق الملك عبدالعزيز على رأس قوة من ستين رجلاً من عائلته وأصدقائه وأنصاره، وقرر بإصرار أن هدفه الأول الرياض في أعماق نجد، لما سيتركه استردادها من أثر معنوي هائل فيه شخصيًّا وفي السكان، واستوعب أهمية موقع الرياض في الجغرافيا السياسية لمنطقة نجد، فمن استقرائه لتاريخ المنطقة عرف أن من يظفر بقلب نجد يسهل عليه السيطرة على المناطق المحيطة بها، وقام الملك عبدالعزيز بمخاتلة بن رشيد فاتّجه أولاً إلى الربع الخالي ليغالطه في اتجاهه الحقيقي، ومن هناك نفذ عملية تسلل بارعة إلى الرياض، فكان يسير ليلاً ويختبئ نهارًا إمعانًا في السرية والاحتفاظ بعنصر المباغتة، وعلى بعد سبعة كيلومترات من الهدف أوقف حملته المكونة من ثلاثة وستين رجلاً، وقسمها إلى مجموعتين تمثل الأولى قوة فدائية بقيادته، والثانية قوة احتياط تبقى في مواقعها مع الركائب والمؤن والذخائر، تنتظر إشارة إمّا الالتحاق بالهجوم أو العودة إلى الكويت لإخبار الأهل باستشهادهم.

وفي الساعات الأولى من فجر الخامس من شوال عام 1319هـ الموافق للثاني من يناير 1902م تقدمت القوة الراجلة وتسللت إلى داخل المدينة، ثم دارت معركة حامية الوطيس بالخناجر والسيوف والرماح والبنادق مع المدافعين عن حصن المصمك انتهت بمقتل عجلان بن محمد الحاكم من قبل ابن رشيد واستيلاء عبدالعزيز على الرياض الذي جعل بداية لمفترق الطرق في التاريخ الحديث لشبه الجزيرة العربية.

وقام عبدالعزيز بتمتين الاستحكامات الدفاعية للرياض، واستدعى والده من الكويت لإدارة المدينة، ليتفرغ هو للقيادة الحربية الميدانية، وتقدم عبدالعزيز لمبايعة والده لكنه رفض ذلك بشدة بحجة أن هذه مرحلة جديدة في تاريخ أسرة آل سعود وهي مسجلة باسم عبدالعزيز القادر على التصدّي لها، وهكذا تمت البيعة لعبدالعزيز من كبير أسرة آل سعود والوريث الشرعي للحكم وتبع ذلك تزكية جماهيرية لعبدالعزيز إمامًا للدعوة السلفية وأميرًا لنجد، وفي خلال أقل من عام سيطر الإمام عبدالعزيز على جنوبي نجد من الرياض إلى الربع الخالي عبر مناطق الخرج والإفلاج ووادي الدواسر، موظفًا مهاراته السياسية والحربية ومراوحًا في أسلوبه بين الدعوة واللين والقوة، ووقعت مناوشات بين الإمام عبدالعزيز وقوات ابن رشيد انتهت بهزيمة ابن رشيد وشجعت هذه الانتصارات الملك عبدالعزيز على مواصلة المسيرة إلى شمال نجد.

ففي عام 1321هـ (1903م) فاجأ عبدالعزيز قوات ابن رشيد عند بلدة شقراء، وانتصر عليها، وكان ذلك بداية السيطرة على مناطق نجد الشمالية كالوشم وسدير والمحمل، وتراجع ابن رشيد إلى القصيم. ثم حصل تطوير خطير بتدخل الدولة العثمانية طرفًا في النزاع فأمدت ابن رشيد بالجنود والأسلحة الحديثة، وخلال الفترة من عام 1322-1324هـ دارت على أرض القصيم العديد من المعارك الكبرى الدامية الفاصلة في البكيرية والشنانة وروضة مهنا دار القتال فيها سجالاً بين الجيشين، وانتهى بانتصار مشهود لعبدالعزيز الذي كسب غنائم ثمينة من الجيش التركي.

توحيد الحجاز

بدأ الخلاف بين السلطان عبدالعزيز، والشريف حسين حول واحتي تربة والخرمة، التي تحكم من قبل الأشراف، وتقطنها قبائل تابعة لنجد الواقعة على الحدود بين نجد والحجاز، وقد استقل أمير الخرمة الذي أيد الدعوة الإصلاحية عن سلطة الشريف حسين، فبادر إلى إرسال حملات لإخضاع الخرمة، وقاد بنفسه جيشًا إلى تربة عام 1337م، وأعلن عزمه على التقدم صوب نجد، فطلب أمير الخرمة الحماية من السلطان عبدالعزيز، فبعث قوة نجدة من الإخوان فهزم الشريف هزيمة ماحقة.

عند ذلك تدخلت بريطانيا، وطالبت عبدالعزيز بالتراجع عن تربة وعقدت عدة اجتماعات لتسوية النزاع بين نجد والأشراف برعاية بريطانيا، وتحقق بعض النجاح في الاتفاق على إقامة منطقة محايدة بين نجد والعراق لإنهاء النزاع القبلي في المنطقة، وفشل مؤتمر الكويت بعد انسحاب الوفد النجدي بسبب مطالبة الوفود الهاشمية بعودة آل رشيد إلى الحكم في حائل، وضم تربة إلى الحجاز، وغيرها من المطالب التي تؤدّي إلى تمزيق الدولة لو تمّت الموافقة عليها.

بعد انتهاء موسم الحج نفذ حملة دبلوماسية عالمية لشرح موقفه من الأزمة، وأرسل قوات اجتازت الحدود مع كل من العراق والأردن، ممّا اضطر بريطانيا لاستخدام الطائرات، وكان يهدف إلى قطع أية إمدادات محتملة للحجاز، وأمر بانطلاق قوة عسكرية وصلت الطائف واشتبكت في معركة دامية مع القوات المدافعة، وسحقتها، فأرسل الشريف حسين قوات نجدة إلى أرض المعركة بقيادة ابنه علي، وتمّت إبادتها فاضطر إلى التقهقر فاتحًا الطريق نحو مكة، فأجبر أهل الحجاز الشريف حسين على التخلّي عن الحكم وإدارة القتال لابنه علي.

وحدثت تجاوزات في معاملة المدنيين من قبل القوات فأثارت استياء عبدالعزيز، لأنها تتنافى مع تاريخه العسكري، وأخلاقه النبيلة، ومخافة أن يستغل ذلك من قبل مناوئيه توجه على الفور إلى الطائف ليقود الموقف بنفسه في ضوء جس النبض للخصم وحلفائه، وصل عبدالعزيز إلى مكة ودخلها محرمًا ملبيًّا خاشعًا لا قائدًا فاتحًا مختالاً، وخطب في جموع المصلّين في البيت الحرام، أمنهم فيها على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم، وبيّن لهم أصول ومبادئ الدعوة السلفية، مفندًا محاولات تشويهها، وبثهم آماله العريضة في تحقيق الخير والأمن والرخاء لأهل الحجاز جميعًا، وهكذا كسب الموقف العسكري والنفسي والإعلامي ومحا ما حدث في الطائف.

دخول جدة

لم تملك بريطانيا أمام صلابة عبدالعزيز وثقته بنفسه وبجيشه إلاّ أن أرسلت ردًّا عبر القنصل البريطاني بجدة قالت فيه: إن حكوماتهم ستقف على الحياد في هذا النزاع، فرأى الملك عبدالعزيز في ذلك نهاية للصراع وحسم له.

زحف الجيش بقيادة الملك عبدالعزيز صوب جدة المحصنة، والتف حول خطها الدفاعي المنصوب، ونفذ حصارًا لعدة أشهر عليها تجنبًا لاقتحامها وإيقاع الخسائر العالية في صفوف المدنيين، وقد مارس ضبطًا شديدًا للنفس إزاء وجود مرتزقة يحاربون في صفوف الأشراف، من بينهم قادة طائرات حربية استخدمت في ضرب القوات المحاصرة، ودارت العديد من المناوشات والمعارك المتقطعة، وبدأ الخناق يضيق على الشريف علي بن الحسين بإعلان عبدالعزيز للمسلمين في العالم أن طرق الحج آمنة وسالكة، وحدد لهم العديد من الموانئ البديلة لميناء جدة لوصول الحجاج، وعند انتهاء الحج نشبت المعارك مجددًا، وفي ذات الوقت سقطت المدينة المنورة بيد قوات الأمير محمد بن عبدالعزيز، وأسقط في يد علي بن الحسين الذي تسلم إنذارًا نهائيًّا تم توجيهه إلى أهالي جدة أن قرار اقتحام المدينة على وشك الدخول في مرحلته التنفيذية فلجأ إلى القنصلية البريطانية لترتيب إجراءات التسليم ومغادرته مع أهله إلى الخارج ففتحت أبواب جدة ودخلها السلطان عبدالعزيز منتصرًا، وفي الخامس عشر من جمادى الآخرة عام 1345هـ الموافق للعاشر من يناير عام 1926م تمّت من جوار الكعبة المشرفة في مكة المكرمة البيعة من قيادات الحجاز ومواطنيه لعبدالعزيز ملكًا على الحجاز وسلطانًا على نجد وملحقاتها.

توحيد عسير وجازان

دخلت عسير ضمن حدود الدولة السعودية الأولى في عهد سعود الكبير، وكانت عسير يحكمها آل عائض، وبعد سقوط الدرعية على يد الدولة العثمانية استقل آل عائض بعسير، ثم احتلها العثمانيون مجددًا، وانسحبوا منها عند قيام الحرب العالمية الأولى، وعاد الحكم إلى آل عائض الذين سرعان ما نشب خلاف بينهم وبين القبائل فكتبوا إلى عبدالعزيز طالبين مساعدته، وبحث موضوع الانضمام إليه، فخاطب عبدالعزيز حسن بن علي عارضًا وساطته وتذكيره بالعلاقات القديمة بين نجد وعسير، لكنه رد بعنف مستقويًا بحليفه شريف مكة، فقرر عبدالعزيز إرسال ولده فيصل في حملة عسكرية ونجح في إيقاع الهزيمة بقوات آل عائض، وضم عسير إلى الدولة السعودية.

أمّا جازان فكانت تحكم من قبل الأدارسة، حيث كانت موضع أطماع وتهديد من أشراف الحجاز، ومن أئمة اليمن، وقد أدّى تدهور الأوضاع في عهد الأمير محمد بن علي إلى طلب الحماية من عبدالعزيز، وبذلك دخلت جازان إلى المناطق السعودية الموحدة بشكل سلمي في البداية لكنها ستعود للقلاقل فيما بعد.

ضم منطقة حائل

استمر دعم الدولة العثماينة لآل رشيد بالأسلحة رغم اعترافهم بعبدالعزيز حاكمًا على نجد والأحساء، وذلك مكافأة له على موقفه المعاضد لهم في الحرب العالمية الأولى، وأدّى ذلك إلى نشوب عدة معارك بين قوات عبدالعزيز وقوات آل رشيد على حدود حائل لم تسفر عن نتيجة حاسمة، وحاول آل رشيد طلب وساطات للصلح من جهات متعددة من بينها بريطانيا، رفضها جميعًا عبدالعزيز عاقدًا العزم على إقفال ملف حائل.

ولطبيعتها الجبلية لجأ عبدالعزيز إلى ضرب حصار على المدينة لثلاثة أشهر، فتصاعد التذمر من أهالي حائل حول تردي الأحوال المعيشية، ونشوب صراع في بيت آل رشيد حول إدارة الأزمة أدّى إلى هروب الأمير عبدالله بن متعب وانضمامه إلى معسكر السعوديين، وعندها أرسل عبدالعزيز إنذارًا نهائيًّا إلى أهالي حائل مفاده أن سقوط المدينة مسألة وقت فقط، ونصحهم بالاستسلام وقبل انتهاء المدة تم فتح الحصون الخارجية للمدينة من قبل الأهالي، وتقدم الجيش السعودي مع تعليمات صارمة بالحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم، وحوصر آل رشيد ثم ما لبث أن استسلموا.

ضم الأحساء والقطيف وهزيمة الأتراك

كانت الإستراتيجية الكبرى للملك عبدالعزيز هي تخليص إقليم شرق شبه الجزيرة العربية من الاحتلال العسكري العثماني، فحزم أمره معتمدًا على الله في تنفيذ خطته، لاسيما وأن أهالي الأحساء بعد أن عرفوا حالة الانضباط الأمني والاستقرار في نجد تحت الحكم الجديد، ناشدوا عبدالعزيز بإنقاذهم من الوضع المتدهور، فالأتراك يحكمون المدن في حين أن بعض القبائل تعيث فسادًا في القرى والمزارع، فعمد إلى رسم خطة متقنة ودراسة مفصلة لأساليب قتال القوات التركية في الأحساء، ونظم حراساتها الليلية، ثم فاوض قبيلة ذات سطوة في المنطقة ومتعاونة مع الأتراك وأوهمهم أنه سيدعمهم ضد منافسيهم من القبائل الأخرى، فأخرجهم بذلك من الأحساء، ثم قام بمناورة خادعة للأتراك والقبيلة المسيطرة وتوجه إلى قبيلة مطير المناولة، وفي هجوم ليلي صاعق اقتحم حصون مدينة الهفوف وحيّد المدفعية، وحاول التركي القيام بهجوم مضاد بعد وصول التعزيزات لكنه فشل، ورد عبدالعزيز بالهجوم نحو القطيف وهنا تم جلاء الاتراك نهائيًّا عن المنطقة بذهابهم إلى البحرين ثم البصرة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store