عندما يستشري الفساد ويتغلغل في مفاصل المؤسسات المختلفة فإن ذلك حتماً يوحي بوجود الكثير من مواطن الخلل التي أدت إلى استشرائه، لذا يستوجب البحث عنها وإيجاد الحلول الناجعة لها، فالفساد أشبهه بالفيروس الذي ينتقل بالعدوى بين الناس وسبل انتقاله تكون معروفة ومحددة لكل نوع من تلك الفيروسات، فمثلاً فيروس كورونا على سبيل المثال لا الحصر من سبل انتشاره بين الناس التقارب بين الأفراد والملامسة وهكذا فيروس الفساد الذي لا يقل خطورة وتدميراً عن فيروس كورونا، له أسباب أدت إلى انتشاره وتفشيه، فمن أبرز أسبابه القدوة السيئة، فالمفسد الصغير لا يُقْدِم على ممارسة فساده إلا بعد أن يرى رئيسه في وزارته أو مؤسسته يمارس نهب المال العام وبالطبع تختلف وتتنوع أساليب النهب للمال العام من مفسد لآخر لكن كل الطرق تؤدي إلى ذلك النهب وعندما يحضر فساد نهب المال فإن المعاون والمساند له هو الفساد الإداري الذي يمكن تحديد الأسباب التي تؤدي إلى انتشاره وتفشيه وهو الخلل الإداري المتمثل في لوائح النظام وبنوده أو في هياكل المؤسسة أو في سوء اختيار العاملين بها
، فهذه جميعاً أو إحداها تكون مدخلاً سهلاً وميسراً لذلك النهب المالي. ومن أبرز أسبابه أيضاً ضمور جهات المتابعة والمحاسبة داخل المؤسسات مما دفع الكثير من المفسدين إلى التمادي في فسادهم المالي والإداري.
ومن أبرز أسباب انتشاره ايضاً ضعف الوازع الديني عند المفسدين، وهذا تحديداً هو الأكثر إيلاماً كون البعض منهم يتلحف بالدين ويجعل منه مظلة لممارسة فساده.
ولعل المؤشرات المفرحة التي توحي بانحسار ممارسات ذلك الفساد هو ما قامت به القيادة رعاها الله من تكثيف لعمليات المتابعة والمحاسبة له وتوسيع دائرتهما لمحاصرة ذلك الداء العضال، حيث تم دمج هيئتي الرقابة ومكافحة الفساد في هيئة واحدة وتضاعفت مهامها وساندها في ذلك القوة القامعة للمفسدين المتمثلة في النيابة العامة، وقبل ذلك الإشراف المباشر على مكافحة هذا الداء العضال من قبل سمو ولي العهد رعاه الله، وهذا ما أدى إلى الانحسار اللافت في ممارسة الفساد المالي والإداري. والله من وراء القصد.