من جديد تعود القيادة الحكيمة لتأكيد إصرارها على تذليل الصعوبات التي تعترض حياة المواطن، وحرصها على ملامسة احتياجاته الرئيسية، ومساعدته على امتلاك مسكنه الخاص به، وهو الخطوة التي تعد هاجساً أساسياً للشباب لأنه بمثابة ضمان لمستقبلهم. لذلك كان الاستبشار كبيراً بالمكرمة الملكية بتحمل الدولة ضريبة التصرفات العقارية عما لا يزيد عن مبلغ (1.000.000) مليون ريال من سعر شراء المسكن الأول للمواطن، وهو ما يعد دافعاً كبيراً للشباب ومتوسطي الدخل لبذل الجهود لأجل التخلص من أعباء الإيجار الذي ظل يؤرق مضاجعهم ويشغل بالهم.
وقد فطنت القيادة السعودية منذ وقت مبكر لمشكلة الإسكان المتجذرة في المجتمع، وبذلت جهوداً كبيرة لإيجاد الحلول الناجعة لها، ابتداء من قوانين الرهن العقاري ورسوم الأراضي البيضاء وغيرها. كما سعت في مرات متعددة لمنع احتكار فئات معينة لسوق العقار، وقدمت كثيراً من الدعم للشركات الواعدة في هذا المجال. كل ذلك كانت له أهداف محددة تمثلت في تنويع الخيارات وإحداث منافسة حقيقية تنعكس خيراً على المجتمع وتصب في مصلحة مواطنيه.
بالنظر إلى المكرمة الكريمة تتبين جوانبها المشرقة المتعددة ومن أبرزها هو أنها تضخ المزيد من أموال المستثمرين في العقار، لأن تحمّل الدولة لتلك الأعباء سوف يؤدي لتخفيض قيمة العقارات ويقلل تكلفة الإنشاءات، وبالتالي زيادة الإقبال وتعدد المنتجات العقارية بما يتناسب مع احتياجات جميع فئات المجتمع.
كذلك فإن انتعاش سوق العقار وتزايد حركة البناء يستصحب معه انتعاش قطاعات أخرى، ويؤدي إلى إيجاد عشرات الآلاف من الوظائف للشباب، وتشغيل المكاتب الهندسية ومكاتب الاستشارات وشركات المقاولات والشركات العاملة في مجال استيراد مواد ومستلزمات البناء. وكلنا يعلم القدر الكبير الذي يساهم به سوق العقارات في حجم اقتصادات الدول المتطورة وذات النمو المتسارع، بالتالي فإن انتعاش تلك السوق لن تكون فوائده مقصورة على جانب العقار وحده، بل ستشمل بالتأكيد جميع جوانب الاقتصاد.
وقد شهدت المملكة خلال الفترة الأخيرة نهضة كبيرة في مجال توفير الوحدات السكنية للمواطنين بخيارات متعددة وشروط ميسرة، وفق ما ورد في رؤية المملكة 2030، التي ركزت على إزالة الأعباء عن كاهل المواطنين، ومساعدتهم على ترقية مستواهم المعيشي، وهو ما قابلته وزارة الإسكان بتطوير آلياتها وأدواتها،
وتنويع خياراتها، وإيجاد طرق غير مرهقة للسداد، وتسهيل الإجراءات الإدارية اللازمة لتمكين المواطن من الحصول على الخيار الذي يريده وبالمبلغ الذي يتناسب مع دخله وإمكاناته المادية. ورغم التطور الذي واكب هذا القطاع نتيجة للدعم الحكومي الكبير، إلا أن كثيراً من تلك الجهود اصطدمت بعقبة ارتفاع تكلفة الإنتاج، وهي العقبة التي ذللتها المكرمة الملكية الأخيرة.
وكما ذكرت في مرات سابقة كثيرة فإن إنزال مبادئ الرؤية على أرض الواقع ستكون له انعكاسات إيجابية لا تحصى ولا تعد على الاقتصاد الوطني، فقد كانت بشارة خير على بلادنا، لأنها نتاج دراسات معمقة وعصف ذهني متواصل، وأخذت في الحسبان الاحتياجات الأساسية للشعب السعودي وتطلعاته نحو مستقبل أكثر إشراقاً، وجمعت ما بين الواقع المتطور والمستقبل المزدهر، وتحلت بالعقلانية والواقعية، وتسلحت بالإمكانات الحقيقية وابتعدت عن الخيال غير القابل للتطبيق.
ومن أبرز ما اهتمت به رؤية المملكة 2030 توفير الأجواء المناسبة للشباب للانطلاق في مجالات الإبداع المختلفة، وزيادة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي، وبالطبع لا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بمساعدته أولاً على تجاوز الأزمات المزمنة التي يعاني منها وفي مقدمتها تكوين أسرته الخاصة، لأننا مجتمع شرقي وعائلي بامتياز.
ويعود تركيز الرؤية على الشباب إلى مبدأ أساسي تنطلق منه، وهو أن الشباب عماد التنمية في أي مجتمع وأعز ما تملكه الأمم وما تحرص عليه وأغلى كنوزها، لاسيما إذا علمنا أن المجتمع السعودي هو مجتمع شاب، فالإحصاءات تشير إلى أن ما يزيد على ثلثي عدد السعوديين هم من الفئة التي تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 35 عاما، لذلك أولته ما يستحقه من أهمية.
الكرة باتت الآن في ملعب المطورين العقاريين وشركات المقاولات لابتكار حلول عقارية غير تقليدية، واستغلال هذه السانحة لتقديم الإضافة المطلوبة التي تحقق الأهداف المشتركة، واستخدام مواد بناء صديقة للبيئة والتركيز على تجويد المنتجات السكنية، والاهتمام بإيجاد الفرص الوظيفية للشباب، وعدم التركيز على مجرد تحقيق الأرباح السريعة باستخدام عمالة رخيصة في تكلفتها وقليلة في مهارتها.
كذلك فإن من الأهمية بمكان تفعيل التوجه الحكومي لتمكين المهندسين السعوديين من دخول سوق المقاولات واستلام زمام المبادرة فيه، لأنهم الأجدر بذلك والأكثر قدرة على استيعاب حاجات مواطنيهم، والأولى بالاستفادة من خيرات هذه البلاد، والفوائد التي تنجم عن مساعدة هذه الفئة الغالية على قلوبنا كثيرة ومتنوعة، وهو ما يدركه من لا يملكون القدرة على النظر إلى ما تحت أرجلهم.