تناقلت الصحف المحلية خلال الفترة الماضية نبأ إطلاق الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برنامج دبلوم إدارة أعمال الحج والعمرة، الذي يعد الأول من نوعه لمدة فصلين دراسيين، في إضافة جيدة ضمن برامج خدمة المجتمع والتعليم المستمر، والتي تهدف إلى ربط مخرجات التعليم بالبيئة، وتجسير الفجوة ما بين البرامج التعليمية والحاجة الفعلية للمجتمعات، وهو توجه حديث تتبعه كبريات الجامعات العالمية المرموقة.
هذه الخطوة ترتبط ارتباطاً عميقاً برؤية المملكة 2030 التي دعت في أكثر من موضع إلى اتباع الأساليب العلمية والاهتمام بالمأسسة، لتجويد الخدمات وتطويرها من جهة، وفي ذات الوقت زيادة العائد المادي، ومما لا شك فيه فإن تطوير الخدمات المقدمة إلى ضيوف الرحمن والمعتمرين وزوار الحرمين الشريفين سينعكس إيجاباً على هذا المجال الذي شرف الله به هذه البلاد وأكرم به أهلها، لذلك توليه المملكة بالغ اهتمامها وتحرص على مساعدة ضيوفها على أداء مناسكهم بكل سهولة ويسر.
ومع التسليم بالجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة على مختلف مستوياتها بخدمة ضيوف الرحمن، والتسهيلات الضخمة التي تقدمها لهم، وتسخير كافة الإمكانات التي تعين على تحقيق هذا الهدف، وهو ما شهدت به كافة دول العالم، إلا أن اتباع الأساليب العلمية سوف يوفر الفرصة لتحقيق الهدف الذي أعلنته الرؤية بالوصول إلى عدد خمسة ملايين حاج ومضاعفة أعداد المعتمرين إلى 30 مليوناً سنوياً، ولأجل ذلك تم اتخاذ العديد من الخطوات، بما فيها توسعة الحرمين الشريفين، وزيادة عدد الوحدات السكنية ومرافق الإيواء، وتطوير البنية التحتية، وإنشاء قطار الحرمين وقطار المشاعر، إلى غير ذلك من الجهود التي لا يكفي المجال لحصرها.
ومع التطور الذي يشهده العالم في كافة المجالات بسبب تطور أنماط الحياة فإن مجال الحج والعمرة شهد كذلك حاجة إلى تطوير أساليب العمل المرتبطة به، نسبة للتزايد المستمر لأعداد الحجاج، وتنوّع احتياجاتهم، لذلك فإن إدارة هذه الحشود الضخمة التي تتحرك في بقعة جغرافية محددة وفي وقت واحد لا شك تحتاج إلى مهارات خاصة وقدرات نوعية لا يمكن توفيرها إلا باتباع الأساليب العلمية التي تذلل الصعوبات والعوائق.
من الفوائد التي تنجم عن هذه الخطوة توفير كوادر وطنية شابة ومؤهلة لخدمة ضيوف الرحمن، في كافة الجوانب ذات الصلة، منذ وصولهم إلى المملكة عبر المنافذ الجوية والبرية والبحرية، مروراً بمؤسسات الطوافة، وحملات الحج، والإرشاد الديني للحجاج والمعتمرين والزوار، وشركات الحج والعمرة، والإسكان وحتى مغادرتهم الأراضي السعودية بعد انتهاء المناسك، وفق ما أعلنت عنه الجامعة.
هؤلاء الشباب سيتم إخضاعهم -دون شك- لبرامج علمية حديثة تتوافق مع متطلبات سوق العمل، لإكسابهم المعارف والمهارات المرتبطة بمجالات عملهم، وتأهيل الكوادر الوطنية بما يلبي متطلبات مشروعات التنمية في المملكة، وتفتح مجالات واسعة للخريجين لتمكينهم من المنافسة في سوق العمل بكفاءة واقتدار، وفي ذات الوقت سيقوم البرنامج برفع مستوى كفاءة مهارات الراغبين من الذين يعملون حالياً في هذا المجال في مختلف مجالات وأنشطة الحج والعمرة، والإلمام بمختلف جوانب الخدمات اللوجستية المرتبطة بالحج والعمرة.
ولا تفوتني الإشارة إلى أن هذه المبادرة من الجامعة الإسلامية لتلمس احتياجات المجتمع هي أولى ثمار قرار استقلال الجامعات الذي أقرته القيادة الكريمة خلال الفترة الماضية، حيث يؤدي دون شك إلى تجاوز مؤسساتنا التعليمية للبيروقراطية والروتين، ويساعدها على ابتكار برامج علمية حديثة تتوافق مع احتياجات المجتمعات التي توجد بها، واستحداث مقررات دراسية حديثة تتواكب مع العصر الذي نعيشه، والتخلص من الكورسات النظرية التي تخرج أجيالاً لا تملك القدرة على المنافسة في سوق العمل، وتنضم سنوياً لصفوف العاطلين عن العمل.
المطلوب الآن هو دعم مبادرة الجامعة الإسلامية، وأن تتحلى مؤسسات الطوافة والمؤسسات العاملة في الحج بنظرة بعيدة المدى، عبر استقطاب هؤلاء الخريجين، حتى لو كان ذلك سيرتب عليها التزامات مالية إضافية ، لأن النتيجة في الآخر سوف تصب في مصلحتها. كذلك على وزارة الحج والعمرة ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الحرص على ضمان استيعابهم وتوفير ظروف ملائمة لهم حتى يكون ذلك محفزاً لغيرهم للانخراط في هذا المجال الحيوي الهام.
كذلك من الأهمية بمكان عدم الاكتفاء بالدبلوم كمرحلة نهائية لهذه الدراسة، وتصميم برامج لمرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا، ولا شك أن إدارة الجامعة الإسلامية تأخذ ذلك في حساباتها المستقبلية، حتى نتمكن من مواصلة الدور الريادي الذي ظللنا نقوم به خلال الفترة الطويلة الماضية بتقديم خدمات نوعية لضيوف الرحمن، وتقديم كافة ما يلزم لمساعدتهم على أداء مناسكهم بسهولة ويسر، وهو ما يدفعنا إلى الفخر ورفع الرؤوس عالياً.