بعد هزائمها المتواصلة في ميادين القتال، وبعد أن تكبدت خسائر فادحة على أيدي رجال المقاومة الشعبية وعناصر الجيش الوطني اليمني، وبعد أن حصدت طائرات التحالف العربي لاستعادة الشرعية معظم قادتها ودمرت أسلحتها، لم تجد ميليشيات الحوثيين العميلة سوى سلاح الشائعات والفبركة لمحاولة ضرب النسيج الاجتماعي السعودي، فاستعانت بثلة من المأجورين الذين زعمت أنهم يمثلون مجتمع نجران، وتبارى هؤلاء في ترديد الأكاذيب الساذجة والأقوال الممجوجة.
المقطع الذي بثه إعلام الميليشيات يصلح لأن يكون جزءاً هزلياً في مسرحية ركيكة التأليف وسيئة الإخراج، لأن منشد الميليشيات الفاشل عيسى الليث ظهر في المقطع مدعياً أنه يمثل الوفد والمتحدث باسمه. وهنا تبدو المفارقة الكبرى فمجتمع نجران وقبيلة يام العريقة أكبر مقاماً وأعز مكانة وأكثر ثقافة وحضارة من أن يتحدث باسمها أمثال هؤلاء النكرات الذين يجهلون أبجديات اللغة العربية وقواعدها.
وأقول بملء الفم ومن واقع نشأتي في نجران، وقضاء عشرات السنين على أرضها، والمشاركة في فعالياتها الثقافية والاجتماعية وعلاقاتي المتشعبة بمجتمعها القبلي: إن هؤلاء المرتزقة الذين ظهروا في المقطع لا يمثلون مجتمعنا المتماسك، وأن نجران غنية بأبنائها وعامرة برجالاتها الذين يعبرون عنها ببروزهم في حقول العلم وميادين الثقافة، ويشرفونها بالتزامهم بطاعة ولاة أمرهم، والتقيد بالقوانين والالتزام بالتعليمات والسعي لرفعة الوطن وتطوره. لذلك سارع زعماء القبائل ومشايخ المنطقة لإعلان تبرُّئِهم ممن ادعوا تمثيلهم والتحدث بلسانهم.
ومجتمع نجران لمن لا يعلم متمسك بقيادته الحكيمة التي لم تترك فرصة لإسعاده إلا وانتهزتها، وبذلت جهوداً مقدرة لتنميته، وأنفقت أموالاً طائلة لازدهاره، وهو فخور بانتمائه لأرض الحرمين الشريفين وبلاد التوحيد التي أصبحت مفخرة لأبنائها. لذلك تسابق أبناء نجران لأداء واجب الدفاع عن بلادهم عندما اندلعت عمليات عاصفة الحزم ضد الميليشيات الحوثية الانقلابية، وقدموا أرواحهم فداء لمملكتهم، وروت دماؤهم الزكية أرض الرسالة الإسلامية، وما زالوا في مقدمة المرابطين على ثغور الوطن، يرصدون حركات المتسللين، ويتصدون للعابثين، لأجل أن تظل راية لا إله إلا الله عالية خفاقة ترفرف إلى يوم الدين.
المقطع المفبرك تحول إلى أضحوكة لأهالي نجران الذين تندروا على سذاجة الميليشيات الإرهابية التي ما زالت تعيش في عوالم الوهم، وأبدوا سخريتهم من عقليات أتباع الحوثي الذين لم يجدوا وسيلة لمواجهة الضربات الساحقة المتلاحقة التي توجهها لهم القوات المساندة للشرعية سوى تلك الطريقة البدائية، ومحاولة إحداث شرخ في مجتمعات المناطق الحدودية تتيح لهم الحصول على ثغرة ينفذون عبرها مخططاتهم الشريرة.
لذلك اكتفى معظمهم بابتسامات السخرية، لإدراكهم أن الإرهابيين لجأوا لتلك الحيلة الساذجة بحثاً عن تحقيق نصر كاذب يرفع الروح المعنوية المنهارة لميليشياتهم بعد أن توالت عليها الضربات وتزايدت الضغوط وباتت الهزيمة تحاصرها من كل الجوانب.
المثير للاستغراب أن الميليشيات الحوثية -وهي تلجأ لمثل هذا الأسلوب- ما زالت تجهل أن عهد ترديد الأكاذيب وتلفيق الوقائع قد ولَّى إلى غير رجعة، لاسيما مع ثورة المعلومات التي نعيش في ظلها، حيث باتت وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت بمثابة أدوات فاعلة للإعلام الجديد، لأنها تنقل الأخبار فور وقوعها، وتدعمها بالصور الميدانية الحية، وبإمكان طفل صغير أن يتعرف على تلك الحقائق بمجرد كبسة زر على جهاز كومبيوتر أو هاتف نقال. لكن الذين ما زالوا يعيشون في عهود الظلام ويتصورون أن العالم توقف عند العصور الوسطى لا يدركون حجم المتغيرات التي يشهدها العالم، لسبب بسيط هو أن معظمهم من الجهلاء الذين لم يحظوا بالتعليم.
ومن المشاهد الحية التي رأيتها بنفسي أن مجتمع نجران لم يكن يوماً بمثل هذه القوة والتلاحم التي ظهر عليها عقب بدء عمليات عاصفة الحزم، فقد وحدت بينهم الأحداث، وزادتهم قوة على قوتهم، لذلك أصبحوا يتفاخرون بارتقاء الشهداء، ويستهزئون بالطائرات المسيرة والمقذوفات العشوائية التي تطلقها الجماعة الانقلابية باتجاههم لأنهم على يقين بأن مصيرها السقوط، وحليفها الفشل. حتى الذين يعيشون في مناطق حدودية نائية متاخمة للجانب اليمني رفضوا ترك منازلهم، ويواصلون زراعتهم وحياتهم بصورة طبيعية.
أخيراً ينبغي التأكيد على أن مجتمع نجران على قلب رجل واحد، يفخر بانتمائه إلى أرض الحرمين ويدين بالولاء لقيادته الحكيمة ويقدم لها كافة فروض الولاء والطاعة، لأن بلاداً يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ويعضده ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- هي مدعاة للفخر وسبب يجعل أبناءها يرفعون رؤوسهم نحو السماء، ولا يترددون لحظة عن تقديم أرواحهم فداء لها، أما الذين يرددون الخرافات والأوهام فهؤلاء كمن يحاولون حجب ضوء الشمس بغربال قديم مهترئ.