مازال لدينا عجزٌ في الكوادرِ الصحفيةِ المتخصصةِ، وبلادُنا من أكثر الدولِ المصدِّرة للنفط، ومن أكبرِ الدول التي تستخدمُ المياه المحلَّاة من البحر، وتتفرَّدُ وتتشرفُ أيضاً بخدمات الحج والعمرة، إلا أنه يعوزنا الصحافةُ المتخصصةُ في هذه الشؤون المشار إليها آنفاً وفي غيرها من التخصصات.
ما زلتُ أذكرُ معالي وزير الحج والعمرة الأسبق السيد إياد أمين مدني في إحدى الندوات وهو يتحدثُ بألمٍ عن موضوعِ التأهيلِ التخصصي للصحفيين، على الرغم من أنها الصحافةُ الوحيدة في العالم التي يمكنُها إعدادُ صحفيين مهنيين ومتخصصين في هذه الأعمال، لا سيما وأنها تحوَّلتْ إلى صناعةٍ مؤسسية، تحكمُها منظومةٌ من الإجراءات والأسسِ الإداريةِ والقانونية التي تحتاجُ إلى وجودِ صحفيين يُعْنون بهذا التطور الذي طاول هذين القطاعين، وهذا ما يغيِّب جوانبَ مهمة في أعمالِ الحج بشكل عام، وهي تشملُ قطاعاتٍ واسعةً في المنظومة الحكومية.
ربما هذا الشعورُ هو الذي ولَّد لديه تخصيص جائزة لأفضلِ عملٍ صحفي في الحج، وكانت فلسفتُها قائمةً على إتاحة الفرصة أمام إيجادِ الصحفي المتخصصِ في أعمالِ وصناعةِ صحافة متخصصة في مجال الحج والعمرة أو في المجالات الأخرى كالطيران وقطاع النقل بشكل عام.
لقد عانتْ الخطوطُ السعودية وما زالت من البعض، وكان وما زال في وسعها تبنِّي تأهيلِ الكوادرِ الصحفيةِ المتخصصةِ في هذا القطاع تحديداً.
لا بدَّ من إعدادِ كوادرَ سعوديةٍ شابةٍ في هذه البرامج التخصصية تجمعُ بين الدراسةِ النظرية والتطبيقِ العملي والعمل الميداني ليكونَ لدينا جيلٌ صحفيٌّ مؤهلٌ للتعامل مع الصحافة الإلكترونية في هذه المرحلة، وهو فنٌ يختلفُ عن الصحافةِ الورقية، وأؤكد مجدداً أن يكونَ استثمارُنا في هذا الشأن في الشباب مع منح فرصةٍ كافية للشابات وفق المعايير التي تُعدُّ للقبول، عندها فلا غروَ لو اختفتْ الكثيرُ من السلبيات التي تعاني منها التغطياتُ الصحفيةُ من غير ذوي الاختصاص.
عندما تمتزجُ الصحافةُ بالأدبِ أو السياسةِ أو الطبِّ أو علوم الاجتماع والفلسفة وغيرها، فسوف يتمخضُ عنها مُخرجاتٌ فنية ذات إبداعٍ فكري أو ثقافي راقٍ، حيث تظهرُ شخصيةُ الصحفي المتميز وعمقُه المعرفي وقدرته على المناورةِ و (التوليدِ) والطرحِ واستنهاضِ الإجابات والتنقيبِ عن المعلومةِ التي تُثري القارئ، وتحلِّقُ به في آفاقِ الصحافةِ المتخصصة.
ولعلَّ ما نشرتْه جريدةُ البلاد قبل عقدين من الزمن بقلم أبي الشيماء الأستاذ محمد سعيد طيب تحت عنوان: «معالي اللورد.. سمعنا وعصينا»، في رسالتِه الموجَّهةِ لصديقه معالي السيد أحمد عبد الوهاب نائب الحرم، يترجمُ تلكم الإبداعاتِ الصحفيةَ التي استطاعت أن تحوِّل الرسالةَ من الخاص الى العام، ليستمتعَ القارئُ بما يُسمَّى (أدبَ الإخوانيات) ذا العِقدِ الحسِّي الفريدِ الذي نفتقدُه في أدبنا المحلي، رغم ارتقائه الركنَ الأصيلَ في الأدب العربي.
فهل نعيدُ تأهيلَ صحفيينا واستثمارَ تخصصاتِهم المتنوعةِ لتصبَّ كلّها في قوالبِ الصحافةِ المتخصصةِ؟.