* كم من قول متوارث، درج على ألسن الناس، فأصبح أقوى من أن (ينسى)، بل أنه قاوم كل محاولات التصحيح على أرض الواقع، من خلال نماذج لا حصر لها تؤكد بطلان ذلك القول، ومع ذلك نُسيت أو تم تجاهلها، وعاد ذلك القول (تلوكه) الألسن مع كل حادثة فردية تمر بأحدهم، فيستشهد بذلك القول على طريقة (تحديد الكل).
* ومن تلك الأقوال قولهم: (الأقارب عقارب)، وهو قول شائع يجعل من الأقارب عقارب سامة لا تذكر إلا ويستحضر الموت، والنهاية المأساوية، فهل يصح ذلك القول المختلف فيمن قاله، أمام المتفق عليه الغالب من أنه قول مجحف، وتعميم لا صحة له، حتى مع كون أنه قد يكون صحيحاً في حالات فردية، كما هو (تحريش) الشيطان بين الأقارب، إلا أنه لا يمكن بحال أن يكون قالباً قابلاً للتعميم على الجميع.
* وإلا فأين تذهب كل تلك الصور التي لا حصر لها من العزوة، والوقفات المشرفة، والحضور وقت الحاجة، وبذل الغالي والنفيس بين الأقارب، بل أين تذهب ما يراه القريب في أقاربه من ظهر، وسند، وذخر له وقت الحاجة، حتى وإن قل التواصل؛ لظروف مشاغل الحياة إلا أن (الظفر ما يطلع من اللحم)، يؤكد ذلك صور يحتفظ بها كل فرد من وقفات أقاربه عندما دعت حاجته إليهم.
* قد تسوء العلاقة بين بعض الأقارب؛ لأسباب في مجملها (طمع) الدنيا، وعدم وجود (الناصح) الأمين الذي يتوسط لرأب الصدع بين الأقارب، بل أن مما يُسجل كمفاجأة لا تخطر على بال أحد، أنه قد يصادف أن يكون من الوسطاء، الذين يتظاهرون بالإصلاح، من يغدو ويروح، وهمه أن يلقي المزيد من الحطب في نار القطيعة بينهم.
* مع ما تحمله وكالة (يقولون)، ومراسلوها (قيل وقال) من نميمة، وبحث عن إطالة أمد الخلاف، وكأن عيش الأقارب بود ومحبة أمر يغيظهم، ويكدر صفو حياتهم، ومع ذلك لا يمكن لأي قريب أن يتخلص من نزعات فطرية تجعله، ولو بنسبة (يتأثر) عندما يضام قريبه، هذا إن لم يكن أول الواصلين (غوثاً) رغم شدة بأس شيطان القطيعة.
* صورة لا تنسى تلك التي يحضر فيها القريب جنازة قريبه؛ ليبكي بكاء لم يبكه من قبل، ومع ذلك فلا معنى لحضور يأتي متأخراً، وقد فاته كل شيء حتى في خيرية (من يبدأ بالسلام)، وما ذلك إلا نتيجة لقطيعة بدأت بخلاف قد يكون بسيطاً، ولكنه غُذي بكل ما يزيد الفرقة والخلاف، ويطيل أمد القطيعة، والنتيجة حرمان (نعمة) الأقارب، والهروب إلى حيث تبرير: الأقارب عقارب، وصدق الشاعر مشعل بن معتق حين قال: «يا للي تقول أن الأقارب عقارب، ماني معك لو جبت لي ألف تبرير، أنا أقول أن الأقارب (قوارب)، نبحر بهم للأجر والرزق والخير»، وعلمي وسلامتكم.