استمراراً لنهج تعاملها الإنساني منذ تفجر أزمة كورونا (كوفيد 19)، وقرارها بتوفير العلاج المجاني للجميع، مواطنين ومقيمين وحتى منتهكي قوانين الإقامة النظامية، أعلنت المملكة أنها بصدد توفير اللقاح مجاناً للجميع، وسيكون متوفراً للمحتاجين في أقرب فرصة ممكنة، وأنه تم توقيع اتفاقيات دولية لتكون السعودية من أوائل دول العالم التي تحصل على اللقاح. هذا الموقف الجديد ينطلق من طريقة تعامل المملكة، ونظرتها الإنسانية التي تقوم على أن الإنسان كائن يستحق التكريم، بغض النظر عن جنسه أو دينه أو وضعه القانوني، وهي نظرة تتسق مع القيم الأصيلة الثابتة المستمدة من الشرع الإسلامي الحنيف، تطبيقاً لقوله سبحانه وتعالى «ولقد كرمنا بني آدم»، دون النظر لأي اعتبارات دنيوية، وهو ما قامت عليه هذه البلاد منذ توحيدها على يد المؤسس المغفور له -بإذن الله- الملك عبد العزيز آل سعود.
مع بداية ظهور الفيروس، بادرت المملكة إلى مواجهته بأساليب علمية، فتم رصد الميزانيات اللازمة لمواجهة كافة الظروف المحتملة، لأن صحة الإنسان وسلامته في منظور القيادة السعودية هي هدف أسمى يُمنح الأولوية ويتم تقديمه على أي مكاسب سياسية أو اقتصادية، فتم على الفور إغلاق المدارس والجامعات ومؤسسات القطاع الخاص والدوائر الحكومية، رغم أن هذه الخطوة تحمل في جوانبها مخاطر كثيرة، في مقدمتها تعريض الاقتصاد لخطر الانكماش والكساد، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الاقتصاد السعودي من أسرع اقتصادات المنطقة نمواً.
كما جسدت المملكة أبلغ صور الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان، وعكست طريقة تعاملها الراقي مع المواطنين والمقيمين على أرضها الطاهرة هذه الحقيقة، حيث بذلت جهداً ضخماً لضمان سلامتهم، وحفظ حقوقهم. وأصدر خادم الحرمين الشريفين قراره الشهير بعدم التمييز في حق الحصول على العلاج، مجدداً ثقته في وعي الجميع والتزامهم بالتدابير المتخذة للخروج من الأزمة الحالية.
اللافت في القرار الملكي الكريم أنه شمل بعين الرعاية والعطف حتى أولئك الذين سمحوا لأنفسهم بمخالفة قوانين الإقامة، فلم يحرموا من الحق في العلاج. ولا بد هنا من الوضع في الاعتبار التكلفة العالية للعلاج الذي يستلزم في بعض الأحيان وضع المرضى في غرف العناية المركزة وما يتطلبه ذلك من مصاريف باهظة. ليس ذلك فحسب بل إن السلطات منعت كافة أنواع التعامل السالب مع المقيمين أو الإساءة لهم في أي من وسائل الإعلام الجديد، وهو ما تجاوب معه الشعب المضياف الكريم، فلم نشهد أي تجاوزات في وسائط التواصل الاجتماعي كما حدث في بعض الدول المحيطة.
ومضت المملكة أكثر من ذلك وهي تعلن إعفاء المقيمين من رسوم تجديد الإقامات النظامية مرات متعددة، تقديراً منها للظروف الاقتصادية التي عانوا منها خلال فترة توقف النشاط الاقتصادي. حتى الذين كانوا خارج المملكة وانتهت فترات تأشيراتهم تم تمديدها أيضاً بدون مقابل، حتى يتمكنوا من العودة الآمنة والالتحاق بأماكن عملهم.
كذلك اهتمت السلطات السعودية بتمليك الحقائق المجردة للجميع، بدون تهوين أو تهويل، وسعت إلى حقيقة الموقف وتبيانه، بشفافية تامة ووضوح كامل، إعمالاً لحق الإنسان في الحصول على المعلومة، ولم تحاول إخفاء الحقيقة كما فعل البعض، حتى يتسنى للجميع اتخاذ الإجراءات الضرورية التي تكفل لهم التعامل الصحيح، ووقاية أنفسهم وتحصين المحيطين بهم، وتم نشر تلك المعلومات في كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، إضافة إلى وسائط التواصل الاجتماعي.
ولأن المملكة اعتادت الاهتمام بأمر الإنسان في كافة دول العالم، فقد حرصت خلال ترؤسها لمجموعة العشرين على الاهتمام بمصالح الدول الأقل نمواً، ومنحها إعفاءات من مصاريف الديون، ومساعدتها على تجاوز الآثار السالبة التي حاقت بالاقتصاد العالمي منذ ظهور الجائحة. كذلك سارعت المملكة إلى الاستجابة للنداء الذي وجهته منظمة الصحة العالمية للتبرع لدعم جهودها في مكافحة الوباء، ورصدت ميزانية إضافية لمساعدة مراكز البحث العالمية في التوصل إلى اللقاح، وقادت دول المجموعة إلى رصد تريليونات الدولارات للمساعدة في قهر الفيروس.
هذه الجهود المتواصلة والنظرة الرحيمة قوبلت بتقدير عالمي منقطع النظير، وأثبتت أن السعودية دولة رائدة في مجال حقوق الإنسان، وأن مبادراتها في هذا الشأن حقيقة وليس مجرد شعارات فارغة المحتوى والمضمون مثل ما فعلت بعض الدول خلال أزمة كورونا الحالية، بل أفعال يلمسها القاصي والداني.
اليوم تكمل المملكة مسيرتها الخيرة في هذا الإطار وهي تعلن تكفلها بتوفير اللقاح المجاني للجميع، لتثبت من جديد أنها مملكة الإنسانية التي تتعامل قيادتها من منطلقات الحب والتسامح والعطف والرحمة، لا تهتم إلا بما يرضي ربها ويسعد شعبها، غير عابئة بمن يطلقون عواءهم ونباحهم، ولا تلتفت إلى أكاذيبهم التي لا تنطلي على من وهبه الله عقلاً وحكمة.