أكثر الناس يمتازون بالتنظير المعرفي في معظم الأمور الحياتية، وعند طرح أي موضوع للمناقشة يذهب البعض الى إسقاطه على الآخرين ويفند الأمر وكأنه هو من عالم آخر أو يعيش في برج عاجي، ويتساهل في الانتقاد أو حتى الانتقاص من الآخرين، بينما يتناسى بأنه جزء من هذه المنظومة والتركيبة الاجتماعية، وكما يسهل التنظير بالمقابل يصعب التطبيق، والأمثلة كثيرة ومتنوعة في هذا الأمر وواضحة للجميع، فنرى الكثيرين ينتقدون موضوع القيادة المتهورة لبعض الشباب على الطرقات العامة، وتجدهم يبتعدون في الطرح عن أبنائهم أو حتى أنفسهم، بل وقد تجدهم يقومون بنفس القيادة المتهورة في الطرقات ولكن عند التنظير الجميع قد يشارك وعند التطبيق نبحث عنه فقط عند الآخرين، وهناك من ينُظر على السلوك الاجتماعي للآخرين وعندما يصل الأمر إليه يبحث عن المبررات التي يحاول أن يظهر بها ويقنع بها من حوله ولكن الأمر أصبح مكشوفاً وواضحاً للجميع.
يقول الله عز قائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
فالقرآن الكريم موجه لعموم الناس، ولكن عند التطبيق والحساب فهو موجه للشخص نفسه المسئول عن أقواله وأفعاله وأعماله، والذي ينشغل بنفسه فقط لكي ينجو أمام الله يوم الفرار الأكبر، لذا يكون الهول عظيماً وكل سوف يحاسب على ما قدمت يداه، وليس على ما قدمته أيادي الآخرين في حياته، لذلك حذرنا الله سبحانه وتعالى من عدم اقتران أقوالنا بأفعالنا، وهذا من البغض الشديد من الله.
لا يمكن لنا أن نصدر أحكاماً أو نُنظّر على الآخرين في أي أمر وخصوصاً في أمور الدين قبل الدنيا، لأننا لا نستطيع أن نزكي أحداً على الله، ولا نستطيع أن نمنع رحمة الله عنه، والأولى أن ننشغل بأنفسنا وبالدعوة الى الله ولكن أن نبدأ بأنفسنا قبل أن نبدأ بالتحدث للآخرين، حتى يصاحب عملنا أقوالنا، ونكون قدوة لمن نوجههم وندعوهم الى ضبط سلوكياتهم الدينية أو الدنيوية بشكل عام.
أخيراً، قد تكون وسيلة مهاجمة الآخرين واسقاطهم هي محاولات فاشلة يحمي بها الأشخاص نقصهم أو سقطاتهم أو حتى زلاتهم وإلصاقها بالآخرين ظناً بأنها من باب الدفاع عن النفس، وهذا غير صحيح جملة وتفصيلاً.
لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتيَ مثلَه ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم.