التاسع من ديسمبر هو اليوم العالمي لمكافحة الفساد وقد أقرته الأمم المتحدة لإذكاء الوعي عن مشكلة الفساد وضرورة مكافحته ومنعه. وفي هذا العهد الزاهر لفتت السعودية أنظار العالم بالقضاء على كافة أشكال الفساد وهو ما أكد عليه خادم الحرمين الشريفين مؤخراً لدى افتتاحه أعمال مجلس الشورى السنة الأولى من الدورة الثامنة فقال: «إن القضاء على الفساد واجتثاث جذوره مهمة وطنية جليلة في سبيل الحفاظ على المال العام وحماية المكتسبات الوطنية ومنع التكسب غير المشروع الذي ينافي ما جاء به الشرع الحنيف» .
وقد قامت (هيئة الرقابة ومكافحة الفساد- نزاهة) بحملات متوالية لقطف الرؤوس الكبيرة والتي لم يفلت منها أي أمير أو وزير أو كائناً من كان، كما توعد بذلك سمو الأمير محمد بن سلمان؛ لأنه أدرك أن الفساد يسبب خسارة بالملايين من الإيرادات المستحقة للدولة؛ والتي من الممكن الصرف منها على الخدمات المقدمة للمواطن، بل إنه يؤدي إلى تراجع في النمو الاقتصادي، وقام بتسويات مالية بلغت 247 مليار ريال وتمثل 20%
من الإيرادات غير النفطية.
كما أن القضاء على الفساد قد طال أيضاً الرؤوس المتوسطة و الصغيرة لأن الدولة شجعت المواطن على الإبلاغ عن أي حالة فساد أو حتى اشتباه في فساد، ووضعت ضمانات له بعدم ذكر اسمه في البلاغ حتى لا يتعرض لظلم وعقوبة ممن تم الإبلاغ عنهم؛ لذلك وصلت الزيادة في البلاغات الى 300%
خلال عام 2019م ، ووصل عدد البلاغات الى 7687 بلاغاً شملت كل أنواع الفساد المالي والإداري، كما وصلت بلاغات التزوير إلى1161 بلاغاً، بينما بلاغات الرشوة وصلت إلى 495 بلاغاً، وقد حُددت العقوبات بها السجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تزيد عن مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين..
ولكن هوامير الأراضي قد جاوزوا المدى بالاستيلاء على مخططات حكومية بمساحة 169 مليون م2 تورط بها عدد من المسؤولين تكفي لبناء 200 ألف منحة سكنية توزع، وذلك من خلال الغش والتلاعب والتزوير.. كما تم اكتشاف تلاعب في الأسهم وبالسوق المالية مما حدا بالبنك المركزي إلى وضع ضوابط جديدة لتعزيز حماية المستثمرين من الممارسات غير العادلة التي تنطوي على تدليس وتلاعب والعمل على تطوير إجراءات كفيلة بالحد من المخاطر المرتبطة بالسوق المالية.
المشكلة أن هؤلاء المفسدين دخلهم أكثر من ممتاز، ولكنه الطمع، وقلة الوازع الديني، والأنانية المفرطة، والإنكار للجميل للوطن، والاعتقاد بأن فسادهم لن تكتشفه الجهات الرقابية قد أوقعهم في شر أعمالهم. بل حتى المؤتمنون على أمن الوطن من الضباط وموظفي النيابة العامة ظهر من بعضهم الفساد فقُبض على ضابط اختلس 400 مليون ريال، وتم القبض على عضوين في النيابة العامة وأحد منسوبي هيئة الرقابة ومكافحة الفساد؛ لتورطهم في قضايا مختلفة، وهناك قضايا فساد في الجهات العسكرية، والصحية وتؤثر على أداء الجهات التي ينتمون إليها..
ومما ساهم في ضبط الفاسدين وتسريع وتيرته وضع البنى التحتية اللازمة مثل: تلقي البلاغات إلكترونياً، وأتمتة التعاملات المالية والإدارية بجميع مستوياتها، وتوسيع صلاحيات (نزاهة) من رصد واستدلال وتحقيق وادعاء والإعلان عن الفاسدين..
كما صدرت إجراءات حاسمة لإحكام الرقابة على المال العام من ديوان المحاسبة وتطبيق أربع آليات أساسية وهي: تفعيل دور المراجعة الداخلية، وتعزيز الرقابة الذاتية والمساءلة والشفافية من قبل الجهات الحكومية، بالإضافة إلى إنشاء لائحة موحدة للحوكمة .. كل ذلك ساهم في رفع مستوى المملكة في مؤشرات مدركات الفساد عام 2019 إلى المستوى العالمي (CPI
) لتحقق المركز (10) بين مجموعة العشرين.
فهنيئاً لنا بما حققه الوطن في سلّم القضاء على الفساد.. وليكون الإصلاح نمطاً إدارياً فذاً للدولة السعودية.