يصر جربرت على أستاذه هاتو أن يصف له قرطبة، تلك المدينة العربية «المولعة بالعلوم والفنون أكثر من ولعها بالحروب»، فيبهر هاتو تلميذه النجيب بحكاياته عن المدينة الحضارية الملونة من كل الأطياف، ويخبره كيف رأى الأساقفة والقضاة المسيحيين في قرطبة، ويحدثه عن العلماء اليهود الذين يجيدون العلوم الطبيعية مثلما يجيدها العلماء المسلمون، كل هذا يدور في فلك الهوية الأندلسية المتفاعلة والمنفتحة على الآخر بالمعنى الدقيق للكلمة.
لقد تعلق فؤاد جربرت بالعاصمة العربية، فخرج من بلده فرنسا، قاصدًا قرطبة في عهد الخليفة المستنصر، وهناك عشق دراسة الرياضيات والفلك، وتتلمذ على عدد كبير من العلماء العرب، وهو ما أوردته المستشرقة الألمانية (زيغريد هونكه) في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) فقد أكدت أن جربرت تعلم أشياء في قرطبة لم يكن أحد في أوروبا ليحلم أن يسمع بها!
وبعدها كانت إشبيلية محطته الثانية فدرس فيها، ثم عبر البحر إلى عدوة المغرب حيث درس في جامعة القرويين بمدينة فاس وأخذ منها العديد من المعارف.
وبعد أن تشرب الثقافة العربية عاد جربرت إلى أوروبا المولعة آنذاك بالحروب أكثر من ولعها بالعلوم والفنون، ولتأثره بالفكر العربي المتنور؛ جُوبه بمعارضة شديدة من مجتمعه؛ أفرزت شائعات عن كونه ساحرًا متحالفًا مع الشيطان! بيد أن أوروبا اليوم تُرجع إليه فضل إدخال المعارف العربية في الحساب، الرياضيات، والفلك إلى أوروبا.
والآن.. يبدو أنك قد دخلت فعلا في سكرة مخدر (زمان الوصل) وعليك يا عزيزي أن تصحو على واقع عربي لن تسعفنا فيه كثرة إدمان تناول هذا المخدر، إذ لن يتغير فيه شيء حتى نولع بدراسة التكنولوجيا الحديثة، أكثر من أي شيء آخر.