.. عندما قال توفيق الحكيم:
«لقد انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم»
أو وصف الثقافة المصرية «بالعصر الشكوكي» نسبة الى الفنان شكوكو فإنه لا يعني قطعاً نضوب الثقافة المصرية وهي الثرية بإرثها وشخوصها عبر مراحلها المختلفة، ولكنه يعني شيئاً آخر غير ذلك.
وهو الشئ ذاته الذي عناه المثقف الأمريكي اليسار جاكوبي عندما قال بأن «المثقف غير الأكاديمي قد تلاشى تماماً ولم يعد في ذلك المكان غير أساتذة داخل حجرات لا يعيرهم أحد في المجتمع انتباهاً كبيراً»...!!
*****
.. هما وغيرهما يتحدثان عن أن للثقافة أدوات ومحفزات تدفع إليها أو تصرف الناس عنها من خلال طغيان مجالات أخرى عليها نتيجة قصورها ومحدودية تأثير أدواتها...!!
*****
.. وبالتأكيد لم نجلس في قهوة الفيشاوي والحرافيش ولم ندخل صوالين مي والرافعي والعقاد وغيرهم، ولكنها أدوات نقلت إلينا الكثير من الحصاد الثقافي لعمالقة التنوير في مطلع القرن التاسع عشر.
ومثل ذلك كانت مسارح وقاعات الأندية الأدبية عندنا تعج بالحضور ثم آلت في ثلة لا أكثر...!!
*****
.. والكثير كان يسوق الاتهامات للأندية الأدبية التي أهدرت المال والجهد على حضور مخجل واتهموها بالنخبوية.
ورغم أن الكثير من المناشط تقليدية بحتة إلا أنها ليست كل السبب.
السبب أن تلك الأدوات فقدت تأثيرها بفقد زمانها ومكانها بعد عاصفة «السوشيال ميديا».
ويبدو أن استجابتنا كانت ضعيفة أو معدومة حتى جاءت كورونا...!!
*****
.. كورونا كانت أشبه بخارطة طريق وجدت فيها الأندية الأدبية بعض ضالتها.
فمن ذلك الجهد والاستعداد والتعب والضيافة لحضور أقل، إلى آلاف المتابعين وفضاء بلا حدود والفارق ليس أكثر من رابط و «ضغطة « زر..!!
*****
.. والتحول الرقمي أصبح هو سمة العصر والمملكة حققت تقدماً عالمياً في هذا المجال، ولديها توجه طموح في مجال الحوكمة الرقمية، ومعظم أجهزة الدولة تعمل داخل هذا المنظومة.
التعليم عن بُعد والداخلية والعدل والصحة ومعظم المجالات، حتى في الإعلام هناك تركيز على الإعلام الرقمي والصحافة الرقمية.. والثقافة تسير في نفس الركاب.
باختصار هناك تحول رقمي كبير ومؤثر.. يجب أن نستثمره فهو رهان المستقبل....!!
*****
.. من يقف أو يظل يلتفت إلى الوراء سيجد نفسه غريباً في عالم يتطور بشكل مذهل وهذا يخلق مساحة شاسعة ما بين الكينونة الثقافية الحديثة والتقليدية.
يقول المنفلوطي «لو جاء امرؤ القيس وطرفة من أجداثهم الى عالمنا اليوم، إما أن يخاطبونا بما نفهم أو يعودوا الى مراقدهم».
أعتقد أن زمن المثقف التقليدي والأدوات التقليدية قد تجاوزه هذا «المتغير» المتسارع والفضاء المفتوح..!!
فما بالكم بمجال هو من مقومات جودة الحياة...!!
*****
.. والحقيقة أن الأندية الأدبية وجدت نفسها في منطقة مبهمة.
أبوابها مواربة لا هي استطاعت أن تخلق نفساً جديداً يدفعها بقوة الى الأمام، ولا هي ألغيت..
وقد استشففت في بيان اجتماع رؤساء الأندية الأدبية الأخير في الباحة العديد من التفسيرات غير الواضحة مما يعني أشكالاً في الرؤية وأشكالاً في العمل والأدوات...!!
*****
.. وما أتمناه الإبقاء على الأندية الأدبية ككيانات لها تاريخها ولها رسالتها وهي تمثل جانباً في الإستراتيجية وهدفاً من أهداف الرؤية، مع بناء إستراتيجية واضحة ومتكاملة للأندية الأدبية تعنى بمناشطها وميزانياتها وآليات التنفيذ.
وذلك يتأتى بعمل ورشة موسعة من مسؤولي الوزارة والمثقفين لبناء هذه الإستراتيجية...!!
*****
.. أخيراً أتمنى من الأندية الأدبية المضي في العوالم الافتراضية، حتى بعد انتهاء الاحترازات، فمن خلال هذه الأدوات الرقمية ستجد أفقاً أرحب وانتشاراً أكثر.. وربما جهداً ومالاً أقل...!!