تلتئم اليوم في مدينة العلا قمة دول مجلس التعاون الخليجي في دورته رقم 41 التي تأتي في ظروف متشابكة ومعقدة يعيشها العالم أجمع ومنطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة نتيجة لما تمر به العديد من دول الجوار من حروب واضطرابات نتجت عن تدخلات خارجية يقف وراءها النظام الإيراني الذي أدمن افتعال الأزمات واختلاق الاضطرابات.
وحتما فإن قادة الخليج يدركون حجم التحديات التي تواجهها المنطقة، وما يمثله النظام الإيراني من خطر كبير، بسبب مساعيه المستمرة لتأجيج الفوضى في المنطقة، ومحاولاته التي لم تنقطع لتصدير القلاقل والاضطرابات إليها، بعد أن ساءه ما تنعم به تلك الدول من ازدهار اقتصادي وتطور سياسي وازدهار في كافة المجالات، وقبل ذلك ما أنعم الله تعالى عليها به من استقرار أمني تفتقده طهران نتيجة لسياساتها العدوانية تجاه كافة دول العالم ودخولها في نزاعات أضرت بشعبها وحولته إلى أحد أفقر شعوب العالم، بعد أن كان ذات يوم يعيش في بحبوحة ويشار إليه بالبنان.
ويذكر الجميع أنه منذ مجيء نظام الملالي عام 1979 فقد بدأ فوراً في اختلاق المشكلات مع دول الخليج، ظناً منه أنها دول ضعيفة سوف يبتلعها ويستولي عليها للاستفادة من ثرواتها الكبيرة في تنفيذ مشروعاته الإرهابية وإحياء الإمبراطورية الفارسية التي غربت شمسها. فكان لا بد لدول الخليج أن تتحد لمواجهة هذا الخطر، وهو ما تحقق بالفعل بإنشاء مجلس التعاون الذي استطاع الصمود طوال الأربعين عاماً الماضية في وجه المصاعب، وحقق الكثير من الإنجازات التي انتقلت بدوله إلى مصاف العالمية وجعلتها محط أنظار العالم أجمع.
المملكة العربية السعودية كعهدها دوماً، تفرد أذرعها لاحتضان أبناء الخليج، وتفتح لهم قلبها الذي ظل عامراً بمشاعر الحب تجاههم في كل الأوقات، وتسخر كافة إمكاناتها وقدراتها لتوحيد صفوفهم، وتولي أكبر الاهتمام لتقريب وجهات النظر بينهم، ومساعدتهم على تجاوز الخلافات التي تعترض طريقهم. وهي عندما تفعل ذلك فإنها تنطلق من موقعها الذي اكتسبته طوال الفترة الماضية، بوصفها الدولة الكبرى في المنطقة وقائدة الدول العربية والإسلامية، مما جعل الكثيرين يطلقون عليها لقب «كبيرة العرب» وهو اللقب الذي نالته بكل جدارة واستحقاق.
وقد أولت المملكة منذ توحيدها على يد الملك المؤسس المغفور له بإذن الله عبد العزيز آل سعود اهتماماً بالغاً بأمن دول الخليج، ووظفت كل ما تملكه من إمكانات، واستخدمت دبلوماسيتها وثقلها السياسي الكبير لحفظ مصالح شقيقاتها، وجعلت ذلك من أولوياتها التي لا تتبدل، ونافحت عنها في المحافل العالمية.
وحتى تظل الرؤية الخليجية موحدة تجاه القضايا الدولية والمصيرية فقد تولت الرياض تنسيق المواقف، والخروج برأي موحد بعد الاستماع لوجهات نظر الجميع وأخذها في الاعتبار، وهو ما جعل دول الخليج كأنها أسرة واحدة تناغمت مصالحها واتحدت كلمتها.
ويحتل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مكانة خاصة في نفوس أبناء الخليج، بسبب الصفات الاستثنائية التي يتمتع بها، والرؤية السديدة التي تميز شخصيته، والخبرة الواسعة التي اكتسبها من سنوات عمره الطويلة، إضافة إلى اعتزازه الدائم بدينه الإسلامي وصفاته العربية الأصيلة، مثل المروءة والنخوة والشجاعة والكرم. فهو الأخ الحريص على مصالح إخوته، وهو كبير العرب الذي لم يتأخر يوماً عن مد يد العون والإسهام والدعم والمساندة، فبادله الجميع حباً وتقديراً لأنه رمز الحكمة والخير والعطاء، ونبراس التواضع والصدق والشفافية.
هناك هدف نأمل أن يوليه القادة في اجتماعهم اليوم أهمية مطلقة، وهو تحقيق التكامل العسكري والأمني بين دول الخليج لضمان أمن وسلامة دول المجلس ومياهها الإقليمية وفقاً لاتفاقية الدفاع المشترك، وتعزيز التصنيع الحربي بين دول المجلس، وتأكيد حرية الملاحة بالخليج العربي دون أي تهديد.
إضافة إلى العوامل الأمنية، فإن قادة الخليج أمام تحدٍ كبير يتمثل في تعزيز آليات العمل الاقتصادي المشترك، لما يمثله الاقتصاد من أهمية في استقرار الدول والمجتمعات، لذلك كانت المطالبة بتحقيق الوحدة الاقتصادية وتنفيذ ما نصت عليه رؤية الملك سلمان بشأن استكمال منظومة التشريعات والقرارات اللازمة لتنفيذ ما تبقى من أهداف متفق عليها، من بينها الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والتكامل المالي وتحقيق المواطنة الخليجية والوحدة الاقتصادية بحلول 2025، وهذه الرؤية تنطلق من استشعار أهمية التكتل الاقتصادي.
اليوم يقف قادة الخليج أمام منعطف تاريخي بالغ الأهمية، ويواجهون تحديات جساماً تتعلق بمستقبل بلادهم ومنطقتهم، مما يفرض عليهم تنسيق المواقف وتجاوز التباينات الصغيرة في وجهات النظر، والبحث عن مواطن الخلافات وغض البصر عنها، والتمسك بنقاط الاتفاق وتعزيزها. والاعتصام بحبل الوحدة، وهم قادرون على تطويع الظروف لمصلحة بلادهم وشعوبهم.