ارتفعت نسبة البطالة في السعودية في الربع الثاني لعام 2020م وبلغت 15,4% -حسب الهيئة العامة للإحصاء- نتيجة التأثر بجائحة كورونا، وربما أنها تجاوزت ذلك في الربعين الثالث والرابع؛ فلا نزال نسمع عن تسريح أعداد من الموظفين في الشركات والمؤسسات حتى ممن عملوا بها لأكثر من عقدين وأثبتوا ولاءهم وكفاءتهم.. ولكن المحك الاستغناء عن الكفاءات ذات الرواتب العالية.. ناهيك عن أولئك الخريجين الذين تخرجوا من البكالوريوس بل وبشهادات عليا وهم قابعون في المنازل لم تشفع لهم سنوات عمرهم التي أمضوها في الجد والاجتهاد، ولم تشفع لهم دموع أمهاتهم وغصات قلوب آبائهم الذين يرونهم وهم في إحباط وخذلان لعدم قدرتهم على تكوين أسرة والإنفاق على أمورهم الحياتية..
وقد خطت وزارة الموارد البشرية خطوة جيدة مؤخراً بإصدار محفزات التوظيف للمحاسبين السعوديين وإيقاف الخدمات لمخالفي التوطين وسعودة جميع وظائف (المحاسبة) مثل: مدير الشؤون المالية، والمحاسبة.. وغيرها.. والتي كان يهيمن عليها وافدون..! ولكن في نظري هذه الخطوة ليست كافية فهي توفر 9800 وظيفة فقط بينما لدينا ربما أكثر من 3 ملايين عاطل عن العمل، فأين الجهات التي تعتبر مصدراً رئيسياً لبيانات الخريجين والباحثين عن عمل وهي: مؤسسة التأمينات الاجتماعية، ووزارة الخدمة المدنية، ووزارة الموارد البشرية، ومركز المعلومات الوطني.. بل أين الوزارات في خططها الاستراتيجية وتزويد وزارة التخطيط ببرامجها واحتياجاتها من الكوادر البشرية والتنسيق مع وزارة التعليم والابتعاث، وضرورة سعودة جميع الوظائف العليا والوسطى وتوطينها حتى في الشركات والمؤسسات الخاصة.
وهنا أصل لنقطة الألم الحقيقي وهم المبتعثون؛ الذين يعودون فلا يجدون وظيفة تسد رمقهم المتعطش لخدمة الوطن والاستفادة من تعلمهم بالرغم من تخصيص الدولة جزءاً كبيراً من الموازنة العامة للتعليم لهم، وشهد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز تحولات شكلت في مجملها ترجمة لرؤية 2030 التي أطلقها مجلس الشؤون الاقتصادية برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان واستحدثت تخصصات مواكبة للعصر وقد وبلغ عدد المبتعثين أكثر من 120 ألف مبتعث ومبتعثة.. ولنا أن نتخيل حجم الإنفاق فالطالب وأسرته يكلف الدولة عدة ملايين سنوياً والتكلفة العامة قد تصل لمليارات.. أليس من الأجدى لمختلف مؤسساتنا أن تستفيد منهم؟!.. خاصة أن منهم مبدعين في تخصصاتهم واستقطبتهم جهات في بلد الابتعاث للعمل لديهم ولكن لحسهم الوطني وانتمائهم عادوا لخدمة الوطن ولكنهم فوجئوا ببيئة عمل غافلة أو طاردة!!، فقد اتصل بي أحد قرائي الكرام من أبناء الوطن يشرح معاناته بعد عودته للوطن فهو مبتعث لدراسة جراحة العظام في ألمانيا وحصل على بورد العظام العام، وبورد عظام جراحة أطفال ولكن (هيئة التخصصات الطبية) فرضت عليه إجراء اختبارين -وكل اختبار بمبلغ وقدره- وفي هذا زيادة في تعقيد الإجراءات وإحباط الطالب الذي يفترض بمجرد عودته أن يصبح (استشارياً) في مجاله حيث وأثناء دراسته للامتياز تقدمت إحدى المستشفيات الكبرى طالبة منه العمل لديها كاستشاري بينما هيئة التخصصات الطبية تفرض عليه (البورد السعودي) فكيف يبتعث للحصول عليه ثم لا يعترف به!!، مع علمنا بعراقة الجامعات الألمانية لدراسة الطب وخاصة العظام. وهناك طالب آخر حصل على الدكتوراة من كندا ثم حين عودته تقول له هيئة التخصصات الطبية: «أعد الامتياز» ...!!
هكذا نتسبب في إحباط شبابنا وزيادة بطالتهم بل ربما يفكر بعضهم في العمل في بلدان ابتعاثهم دون العودة.. وفي هذا خسارة كبرى للوطن الذي هو في أمس الحاجة لهم!.