أستطيع الآن أن أموت وأنا مرتاح الضمير لأنني سددت للثقافة كل مصاريفها ودفعت للمعرفة كل الفواتير التي سبق وأن استعرتها منها.
نحن نعرف أن لكل شيء زكاة، وأقوى أنواع الزكوات هي زكاة العلم وهي تتمثل في نشره بين الناس وتوزيعه عليهم أو وضعه في كتب تبقى في المكان على طول الزمان.
لقد ألّفتُ حتى الآن أكثر من عشرين كتاباً والنية أن أصل إلى الثلاثين وبعدها أتفرغ لطلب العلم الذي أرغب أن أتعلمه ولن أعلن عنه الآن بل سأتركه إلى حينه.
إن التأليف مسألة شاقة ومتعة مؤلمة، نعم هي مؤلمة ولكن عواقبها حميدة ولذيذة، وما أجمل المتعة التي تأتي بعد الألم.
في التأليف أنا المستفيد الأول كما هي لغة أهل البنوك، بل أنا المستفيد الأكبر كما هي لغة الشركات، لأن العلم لا يترسخ في الذهن إلا إذا حاول الإنسان أن يتعلمه أولاً، ثم يعلمه أو يكتبه للناس، إنه مثل ذلك الذي يقرأ عن الفلسفة قراءات عشوائية ومشتتة ولكن حين أراد الكتابة عن الفلسفة حزم أموره ورتب منهجه وفصّل الفصول وبوَّب الأبواب ليخرج كتابه وكأنه عمارة كبيرة منسقة المعاني والمباني.
حسناً ماذا بقي:
بقي القول: يا قوم هذه مقدمة مختصرة عن التأليف وبعض فوائده، وفي المقالات القادمة سأتحدث عن بعض الكتب التي ألفتها وكيف يمكن اختصار فكرة كل كتاب بسطر أو سطرين، كما وسأتناول المحفِّزات التي حرَّضتني على تأليف بعض الكتب مثل السعادة والمشي والزواج والتسامح.