Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م.سعيد الفرحة الغامدي

الإرهاب داخل الكونغرس الأمريكي..!

A A
في عصر الإعلام الآني الذي يسود كوكب الأرض تصعب المتابعة حتى بالجلوس أمام شاشات العرض والتنقل بين المحطات العالمية بحثًا عن خبر مستجد ووجهات نظر مختلفة، ورغم ذلك فإن الأحداث مذهلة ومرعبة في نفس الوقت لأن العالم مترابط بمصالح عميقة وعندما تكون الولايات المتحدة الأمريكية هي المصدر يصبح القلق والتوتر العالمي من تداعيات الأحداث وأخطارها على النظام العالمي بكامله، لأن أمريكا هي المركز للنظام العالمي المالي والتقني والضامن لشبكات التعامل الدولي بداية من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها، وعاصمة الرأسمالية والمال والأعمال في نيويورك مقر الأمم المتحدة ومجلس الأمن. هذا ما أسفرت عنه الحرب الكونية الثانية من تمركز السلطة والمال في دولة واحدة لا منافس لها. حافظت على ذلك المركز وجنت من ورائه ثروات هائلة وأحكمت قبضتها وهيمنتها على العالم حتى أصبحت في القمة. غزت الفضاء الخارجي وأنتجت العقول والإبداع في شتى مجالات البحوث العلمية وأصبحت جامعاتها ومراكز البحوث المثل الأعلى في صروح العلم والمعرفة والتفوق.

والمال والقوة عندما يجتمعان في سلطة واحدة يتحكم فيها البشر معرضان للإساءة إذا لم يكن هناك صمامات أمان تضمن ذلك. وأمريكا دولة مؤسسات ودستور محكم يعد الأمثل بين الدساتير الوضعية منذ صلح واستفاليا في بداية القرن السابع عشر الميلادي 1648 م.

والدروس المستفادة من الذي حصل في الانتخابات الأمريكية التي مازالت تداعيات نتائجها تهز العالم أن الديموقراطية لها إيجابيات وعليها مآخذ قد تُستغل عندما تغيب الحكمة وحسن التصرف. الرئيس ترامب المنتهية ولايته دخل المنافسة من خارج دائرة النخب السياسية والتجربة الديموقراطية ولم يكن أحد يتوقع له الفوز ضد «هيلاري كلينتون» وبعد مرور أربع سنوات في البيت الأبيض لم ينضج ترامب بما فيه الكفاية وخسر الرهان على ولاية ثانية وكان بإمكانه قبول نتائج الانتخابات والخروج بكرامة والعودة في المرة القادمة وقد تكون حظوظه أفضل برصيد وحجة قوية للمنافسة على الرئاسة خاصة وأنه يملك المال وله شعبية كبيرة تحت شعار (أمريكا أولاً) خاصة إذا تعثرت إدارة «بايدن» في إيجاد حلول إيجابية لمشاكل الاقتصاد والبطالة والصراعات الدولية الأخرى مع أوروبا والصين وروسيا وتركيا وإيران.

أمريكا بلد كبير وغني وقد لا تهمها سمعتها في الخارج كثيرًا ولكن الأحداث الأخيرة التي وصلت إلى الاعتداء على الكونغرس «رمز قوتها ووجودها» الذي نجا من 9/‏‏11، ولكنها إرهاب داخلي ترقى آثارها المعنوية إلى حجم 9/‏‏11 السياسي والاقتصادي، وتثبت أن هناك انقساماً داخلياً قابلاً للتطور كلما ابتعدت السلطة السياسية عن تحقيق الحلم الأمريكي وأن الثراء والديموقراطية لم تستطع تقريب المسافة بين الثراء والفقر واندماج وتخفيف حدة العنصرية في ذلك الكيان الكبير وكم من قائل إنها قامت على العنصرية وتعيش بها وربما تكون نهايتها بسببها.

مشهد اقتحام البيت الأبيض من قبل أنصار ترامب كان معبرًا وعبرة لكل الأنظمة السياسية التي تراهن على نقاء الديموقراطية من الأخطاء لأن «ترامب» وصل من خلالها وأصبح يهدد كيانها في أقوى وأثرى دول العالم والشعب الأمريكي بكل انتماءاته هو الذي يدفع الثمن والأحداث ليست بعيدة عن تجربة الربيع العربي مع فارق طبيعة المؤسسات والمجتمع المدني. والسؤال هل يستمر الربيع الأمريكي أم أنه سينحسر بعد تولي «بايدن» وحزبه مقاليد السلطة في البيت الأبيض ومجلس النواب والكونغرس يحاكي هموم كل أطياف الشعب الأمريكي؟، أم أن الانقسام بين الشارع وتمركز السلطات الثلاث بيد الحزب الديموقراطي سيظل سيد الموقف؟. الولايات المتحدة الأمريكية مهمة لكل العالم وليس من مصلحة أحد تفككها على غرار ما حصل في الاتحاد السوفييتي. لقد خسر «ترامب» والحزب الجمهوري فهل يتقبل أنصارهم الهزيمة ويتصالحون مع الواقع إلى حين موعد الانتخابات القادمة؟.

هناك أطروحات واستشرافات كثيرة ولكن انهيار وتفكك أمريكا في هذه المرحلة ليس في صالح العالم..!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store