قال العرب عن كل من اشتغل بالأدب «إن فلانًا أدركته حرفة الأدب» أي أنه وقع في مصيدة الفقر والعوز، وصار يعيش حياة يرثى لها.
وقال الروائي وليم ثاكري عن الأدب بأنه ليس تجارة ولا مهنة، ولكنه الحظ الأنكد.
والعجيب أنه رغم أن المبدعين في الأدب يعيشون حياة بائسة لا تسر الأعداء إلا أن الملاحظ عليهم إصرارهم على الإبداع رغم معاناتهم من الإهمال والفقر والمرض.
ومن الذين ذاقوا مرارة الفقر في تاريخ الثقافة العربية أبو حيان التوحيدي مؤلف كتاب «الصداقة والصديق» وقد كان يشكو مرارة العوز والفاقة، فقد قال: «غدا شبابي هربًا من الفقر، والقبر عندي خير من الفقر».
وقال لصديقه أبي الوفاء المهندس: «خلصني أيها الرجل من التكفف، أنقذني من لبس الفقر، أطلقني من قيد الضر، اشترني بالإحسان، اعتبدني بالشكر، أكفني مؤونة الغداء والعشاء، إلى متى الكسيرة اليابسة، والبقيلة الذاوية، والقميص المرقع؟ إلى متى التأدم بالخبز والزيتون؟ لقد أذلني السفر من بلد إلى بلد، وخذلني الوقوف على الأبواب».
وكذلك كانت أحوال أستاذ أبي حيان التوحيدي أبو سعيد السيراني، إذ كان يعمل في الوراقة، فينسخ في اليوم عشر ورقات بعشرة دراهم.
وهذا أبوبكر القومي الفيلسوف، بلغ به الفقر حدًا جعله يقول: «ما ظننت أن الدنيا ونكدها تبلغ من إنسان ما بلغ مني، فإني إن قصدت نهر دجلة لأغتسل نضب ماؤها، وإن خرجت الى القفار لأتيمم بالصعيد عاد صلدًا أملس!».
وإذا تحولت إلى العصر الحديث نجد الشاعر المصري أمل دنقل يذرع شوارع القاهرة بحثًا عن صديق يدفع له ثمن الغداء أو العشاء.
وكان الشاعر المعروف بيرم التونسي الذي نفي إلى باريس يفتش صناديق الزبالة، ليستخرج منها بقايا الطعام، ويأكلها.
وهذا الأديب الإنجليزي تشارلز ديكنز أعظم الروائيين في عصره، صاحب الأعمال القصصية الخالدة، ضحى بأول حب في حياته حينما رفض العمل في غير الأدب، قالت عشيقته «ماريا بيرنل» مقولة مشهورة: «إن ديكنز شاب لطيف جدًا، لكنه أديب، فهل يستطيع هذا المسكين أن يعولني بقلمه؟!».
وهكذا نرى أن الفقر صديق للمبدعين على مر العصور في كل أنحاء العالم.
ولا عزاء للمبدعين!