· تطوير الذات مصطلح رنّان؛ وواسع جداً، تم استغلاله كثيراً في الآونة الأخيرة من قبل قراصنة التدريب العبثي.. التطوير يمكن أن يكون باباً لتحسين الذات والارتقاء بها بالفعل، لكنه بالمقابل كثيراً ما يكون مدخلاً للإحباط والاكتئاب، وأكل أموال الناس بالباطل أيضاً!.. الفارق هنا يكمن في معرفتنا الجيدة بأنفسنا، وإدراكنا الواعي لحاجتنا التدريبية، وتحديد ما هو قابل للتحسين والتطوير، وما يجب قبوله والتسليم به كما هو.. هذه نقطة مفصلية ومهمة جداً، إنها المعادلة الصعبة التي يجب إدراكها والإلمام بها لقطع الطريق على بعض المرتزقة الذين قطعوا أكثر مما وصلوا، وضرّوا أكثر مما نفعوا.
· رحلة تحسين الذات إما أن تكون رحلة روحية مستنيرة وممتعة تسير وفق ضوابط علمية صحيحة وتؤدي الى نتائج جيدة، وإما أن تكون عملية عشوائية مرهقة، تشعرك بالإحباط والسوء تجاه نفسك، وتتحسر في نهايتها على الركض العبثي المرهق خلف رغبات لم ولن تصل إليها أبدًا. كل إنسان منا بحاجة الى جرعة مناسبة من الطموح لتحقيق أهدافه، ولجرعة مماثلة من القناعة والرضا والقبول لراحة نفسه، هذا ما يفشل الكثيرون في تحقيقه، فيقعون حيارى بين دوامة اللهاث المستمر خلف أهداف وتطلعات لا تتناسب مع شخصياتهم، أو يسقطون في فخ قبول الذات السلبي الذي يخدرهم ويبقيهم في أماكنهم، متوهمين الراحة والقناعة.. وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن نتطور ونتحسن ونصل إلى أهداف أكبر دون أن نؤذي أرواحنا ونقسو عليها؟.
· الإجابة ليست بالسهولة التي نتخيلها، فهي تتطلب معرفة دقيقة؛ ودراسة جادة لإمكاناتنا ورغباتنا ومؤهلاتنا وقناعاتنا وثقافاتنا ومحيطنا العام.. إنها عملية واسعة تتطلب صدقاً مع الذات؛ وعدالة مع النفس، فليس من النزاهة أن تقضي كل وقتك في التركيز على عيوبك ومساوئك، متوهماً الإصلاح، الأجدر والأولى هو التركيز على ما يمكنك التحكم فيه فقط، والقبول والرضا والتعايش مع كل ما لا يمكن تصحيحه أو تعديله.
قبول الذات استراتيجية نفسية مهمة لا تقل أهمية عن الطموح، حتى لا تتحول بعض الطموحات غير المنطقية الى عوائق، الأمر الذي يتطلب جرعة كبيرة من العدالة والإنصاف مع النفس، من أجل أن يكون الرضا نابعاً عن اقتناع تام، وليس مجرد ذريعة للتراخي والكسل.
· الرضا عن النفس والطموح ليسا على طرفي نقيض عند التعامل معهما بشكل صحيح.. لا تصدق من يحاولون إيهامك أنك بحاجة إلى قضاء وقتك كله في الاستعداد لسباق أزلي مع نفسك، هؤلاء سيتسببون لك على المدى الطويل بأضرار قد تقوض صحتك العقلية والجسدية.. لكل إنسان قدراته المتفردة التي تمكنه من الوصول إلى أهدافه دون الحاجة الى أن يكون عبداً لرغباته، أو أن يقع في فخ (قبول الذات السلبي).
· مهما كانت جودة الدواء وفاعليته فلن يكون مفيداً ما لم يكن الشخص يعاني من نفس المرض المصنّع من أجله.. لا تنسَقْ خلف الإعلانات المضللة لتجار برامج التطوير، فليست كل البرامج مفيدة لك.. اعرف نفسك وقدراتك وإمكاناتك جيداً، واعرف ما يمكن قبوله منها كما هو وما يجب تطويره، وتأكد دائماً أنه لا يوجد إنسان بلا عيوب.