مازالت ميليشيات الحوثيين الانقلابية تتمسك بنهجها العدائي وتتحدى المجتمع الدولي، وتصر على مهاجمة القرى والمدن السعودية الحدودية، بإطلاق قذائف وطائرات مسيرة ملغومة، رغبة في إيقاع أكبر قدر من الأذى في أوساط المدنيين، وهي تصرفات يجرمها القانون الدولي بشدة، ويوقع عقوبات مغلظة على مرتكبها. لكن الجماعة المتمردة التي لا تمتلك تاريخا ًفي التعامل الإيجابي مع المنظمات الدولية التي تحكم العالم مازالت تنتهك القوانين والمواثيق وتتجاوز الأعراف.
في الداخل اليمني فإن الميليشيات لم تترك جريمة إلا وارتكبتها بحق الشعب الأعزل، بدءاً من الحصار والتجويع والخطف والاعتقال والقتل والصلب، ولا أدل على ذلك من الجريمة التي ارتكبتها خلال الأيام الماضية في منطقة الحيمة بمحافظة تعز، عندما أقدمت على قتل عدد من المدنيين الذين رفضوا الانضمام لها وقامت بصلبهم على جذوع الأشجار، في مشهد أعاد للأذهان تصرفات عناصر تنظيم داعش الإرهابي.
السبب الرئيسي في جرأة جماعة الحوثيين على ارتكاب تلك الجرائم يعود في الأساس إلى التساهل الذي ظلت تتعامل به الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، الذي لا يجرؤ حتى على توجيه الانتقاد للمتمردين، ويحاول بشتى السبل تبرير تصرفاتها المرفوضة وإيجاد الأعذار لها، لذلك فإن كل الإفادات التي يقدمها لمجلس الأمن الدولي -بحكم وظيفته- تتصف بالتعابير الفضفاضة وتخلو من الإدانة المباشرة التي لا يحتاج لكبير عناء في إثباتها وتأكيدها.
استمراراً لسياسة المهادنة الأممية تجاه الميليشيات، رفض أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الخطوة الأميركية الأخيرة بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وطالب بإلغاء التصنيف بزعم أنه يعوق مساعي الحل السلمي ويعرض اليمن إلى خطر المجاعة الشاملة، وهي تبريرات واهية ومتهافتة يفضحها الواقع الفعلي على الأرض، لأن الحوثي لم يقتنع يوماً بالحل السلمي، وظل يماطل ويناور ويلجأ للتسويف ولا يتعامل بإيجابية مع المساعي المتكررة للتوصل إلى حل سياسي.
حتى عندما أبدت الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي والتي تم تشكيلها مؤخراً الرغبة في تفعيل الحل السياسي، أقدمت الميليشيات على ارتكاب جريمة حرب متكاملة الأركان وهي تقصف مطار عدن الدولي بالتزامن مع وصول الطائرة التي تقل أعضاء الحكومة الجديدة، مما أسفر عن مصرع العديد من المدنيين والصحفيين وعمال المطار، ولولا ستر الله لكانت الخسائر أكبر من ذلك وأعظم.
لم تكتفِ الجماعة بتلك الجريمة، بل حاولت الاعتداء على قصر المعاشيق الذي يقيم فيه وزراء الحكومة، وأطلقت ثلاث طائرات مفخخة باتجاه القصر، إلا أن الدفاعات الجوية التي نصبتها قيادة التحالف العربي تمكنت من تدمير تلك الطائرات قبل وصولها إلى الهدف المحدد.
المؤسف في الأمر هو أن الأمم المتحدة ظلت تتبع نفس السياسة الفاشلة في التعاطي مع الميليشيات الحوثية، حتى مبعوثوها السابقون المغربي جمال بن عمر والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ لم يحققا أي قدر من النجاح طوال السنين التي عملا فيها، وجاء المبعوث الحالي مارتن غريفيث وبدلاً من أن يستفيد من تجارب من سبقوه استمر على ذات النهج السالب وهو يهادن الحوثيين ويستجديهم للحصول على تنازلات تتيح له تحقيق بعض التقدم.
لذلك فإن تراجع الدور الذي لازم المنظمة الدولية في معظم بؤر الأزمات التي تعمل فيها يعود إلى عدم وجود منهجية ثابتة، والركون إلى سياسة اللين والضعف، وهو ما أسهم في تناقص الاحترام الذي تتعامل به العديد من الجهات بحق المبعوثين الدوليين، وهو ما ظهر في جرأة الحوثيين بإطلاق النار على المبعوث الدولي نفسه عندما أراد التحرك بدون إذن الميليشيات. هذا النوع من الخنوع هو الذي حرم الأمم المتحدة من القيام بأهم أدوارها المتمثلة في نزع فتيل الأزمات والقضاء على النزاعات المسلحة.
وربما كان السبب في تراجع دور المنظمة يعود إلى الأجندة الخفية والتوازنات السياسية التي تسعى وراءها بعض الدول الكبرى التي تملك حق النقض في مجلس الأمن الدولي، لضمان مصالحها الخاصة وأهدافها غير المعلنة، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون مبرراً لتجاهل معاناة المدنيين والسماح للحركات المسلحة والدول المارقة باستغلالها.
عموماً فقد رفضت واشنطن الإذعان لمطالب الأمم المتحدة، وتمسكت بوضع الحوثيين على قوائم الإرهاب، وهي خطوة إيجابية لا شك أنها سوف تمثل ضغطاً على الميليشيات وتدفعها إلى التجاوب مع جهود الحل السلمي، فقد أثبتت الفترة السابقة أنها لا ترضخ إلا للضغوط، سواء العسكرية أو السياسية، وأن التعامل معها بأسلوب المهادنة واللين يزيدها عناداً ومكابرة. كما أن تشديد المراقبة على المنافذ البحرية والبرية الذي ستقوم به واشنطن سوف يحرمها من استلام السلاح الذي يهربه لها نظام طهران الذي لا يريد إلا استمرار الأزمة ولو على جماجم المدنيين، لتنفيذ أجندته الإرهابية واستغلال اليمن كورقة ضغط سياسي، ليس إلا.