للمرة الأولى في التاريخ تصبح المصافحة ذات الدلالة الإيجابية مصدر خطر وربما سبباً للهلاك، فنصائح الطب تؤكد ضرورة تجنُّبِها للوقاية من التقاط عدوى كوفيد 19.
يأتي هذا الأمرُ في وقتٍ تعوَّدت فيه البشرية على المصافحة من قديم الزمان، وهناك تماثيل نُحتت في القرن التاسع قبل الميلاد تُظهر الملك آنذاك يصافح حاكماً في أعقاب عَقِدِ تحالفٍ بينهما. يقول بعضُ العلماء المسلمين: إن عادة المصافحة عند العرب أول ما بدأت في اليمن ثم انتشرت في المحيط العربي، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة».
هناك بعض الدراسات التي تؤكد أنه كما تفعل بعض الحيوانات يشمُّ بعضها بعضاً كوسيلة لمعرفة ما إذا كان الحيوان الآخر عدواً أم صديقاً، يقوم بعض الأشخاص برفع أيديهم إلى أنوفهم بعد المصافحة لتعزيز الانطباع عن الشخص الآخر من خلال إشارات يمكن كشفها من خلال حاسة الشم، فالمصافحة قد تكون أكثر غريزية مما نظن وبالتالي فلها تفسير علمي وراء الأسباب التي تدفعنا إلى المصافحة.
ثم جاء عام 2020 الذي ودّعناه مؤخراً دون أسف عليه وما حمله من مفاجآت غيَّرت مسارات حياتية عديدة اقتصادية واجتماعية وسياسية وصحية، وكان من بينها تعطيل ثقافة المصافحة، حيث أصبح التعبير عن التحية يتم عن بُعد، وفُرضتْ مسافات مكانية بين الأفراد.
أذكر أن أحد المديرين التنفيذيين في إحدى الشركات قال إنه إذا كان عليه أن يختار بين اثنين من المرشحين تساويا في المؤهلات فسيعطي الوظيفة للمرشح المتميز في المصافحة. ويعتقد البعض بأن المصافحة بحرارة يمكن أن تسهم في إتمام صفقة، فهي تعبِّر عن الثقة وتُظهر درجة من الألفة لا سيما إذا صُحبت بابتسامة.
الظروف الحالية في ظل انتشار كوفيد 19 حتَّمت تعطيل ثقافة المصافحة حتى زوال السبب، وهناك العديد من الإيماءات (لا أريد الخوضَ فيها) لتبادل التحايا والتعبير عن المشاعر، ويشعر الكثيرون بأن كوفيد 19 قد يسهم في إيقاف ثقافة القبلات وحَبِّ الخُشوم إلى غير رجعة.