استأذنكم في الحديث عن موضوع أُسري جد حساس، كثيرًا ما شغلني واستوقفني، وأنا أتابع قضايا قتل الإخوة لأخواتهم التي شهدتها بعض المجتمعات العربية مؤخرًا بذرائع واهية لا يقرها الإسلام، بل يُجرِّمها، وكذلك من خلال حرمان الإخوة أخواتهم من ميراثهن من آبائهن من جهة وقضايا عضلهم لأخواتهم وحرمانهن من الزواج، أو إجبارهن على الزواج ممن لا يرغبنه، أو تزويجهن قاصرات، أو تطليقهن من أزواجهن لخلاف بينهم تحت ذريعة عدم الكفاءة في النسب، أو حرمانهن من إكمال دراستهن، أو من العمل، وإن سمح بعضهم لأخواتهم بالعمل ليأخذوا منها راتبها، أو جزءاً كبيراً منه، والأخطر من هذا كله ضربها ضربًا بدنيًا مبرحًا مُفضيًا إلى القتل بحجة تأديبها، أو قتلها بدعوى الدفاع عن الشرف لمجرد الظن أو خروجها مع خطيبها إلى مكان عام، أو لتحدثها هاتفيًا مع أحد زملائها في الدراسة أو في العمل، وقد يغتصب الاخ أخته، ويقتلها بدعوى الدفاع عن الشرف!!.
والمؤسف حقًا هو سكوت الأسرة والمجتمع عن هذه الجرائم، والأكثر إيلامًا من هذا سكوت كثير من علماء الدين عن كل هذه الجرائم، والمخالفات الشرعية، والأكثر من هذا كله عدم مساءلة الإخوة ومحاسبتهم فيما يقترفونه من عنف بدني ونفسي ومالي، مع تخفيف القوانين والأحكام القضائية في ما تُسمى بجرائم الشرف، ممّا زاد من نسبة هذه الجرائم في المجتمعات العربية لأنّ مرتكبيها قد أمنوا العقاب.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هل توجد آية في القرآن الكريم، أو حديث في السنة الصحيحة يُبيح للأب قتل ابنته، وللأخ قتل أخته تحت ذريعة الدفاع عن الشرف؟ وهل يوجد نص في القرآن الكريم، أو في السنة الصحيحة يوجب قتل المرأة الزانية، ومن قبل أبيها أو أخيها أو زوجها؟
للإجابة عن هذا السؤال فلنقرأ معًا الآيات المتعلقة بالزنا:
أولًا: الآية (2) من سورة النور (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
فهذه الآية لم تحدد الجلد لغير المُحصن، ولم يرد فيها ذكر للمحصن أو غير المحصن، وهذا يُعطي دلالة على أنّ الجلد عام لكل من يرتكب فاحشة الزنا سواءً كان محصنًا أو غير مُحصن.
ثانيًا: لا توجد آية في القرآن الكريم تتحدث عن الرجم، والقول مردود بأنّ آية الرجم نُسخت تلاوتها استنادًا على حديث موضوع رواه الدارقطني وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: «لقد نزلت آية الرجم، ورضاعة الكبير عشرًا. ولقد كان في صحيفة تحت سريري. فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها. وروى هذا الحديث أيضًا الإمام أحمد في مسنده بلفظ: «لقد أنزلت آية الرجم ورضعات الكبير عشرًا فكانت في ورقة تحت سرير في بيتي فلما اشتكى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تشاغلنا بأمره ودخلت دويبة لنا فأكلتها» فهل يعقل أنّ صغير الماعز تنسخ قرآنًا؟ ألهذه الدرجة أنزلوا من مكانة القرآن الكريم حتى صغير الماعز يعبث به، وينسخه؟
والحقيقة التي أؤكدها عدم وجود نسخ في القرآن، والنسخ الذي تحدثت عنه آية النسخ (ما نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة:106] هو نسخ شريعة موسى، وليس نسخ القرآن لنفسه، فكيف ينسخ القرآن نفسه والفارق الزمني(23) سنة بين نزول أوّل آية وآخر آية منه، بينما الفارق الزمني حوالي (2300) سنة بين شريعة موسى وبين القرآن، والرجم في شريعة موسى عليه السلام نسخته آية (2) من سورة النور، ويؤيد هذا ما رواه البخاري في جامعه الصحيح عن عبد الله بن أوفى أنّه سئل عن الرجم. هل كان بعد سورة النور أم قبلها؟ فقال: «لا أدرى».
فهذا يؤكد أنّ آية الجلد في النور نسخت الرجم في شريعة موسى عليه السلام، فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم طبّق الرجم على الزانية والزاني المحصّنيْن، كما ورد في بعض الأحاديث -مع ضعفها وتناقضها- طبقًا لشريعة موسى التي نسختها آية (2) من سورة النور، فقد كان ذلك قبل نزول آية الجلد.
أمّا ما قيل عن ما تُسمى بآية الرجم، فهي لا تتفق مع الأسلوب القرآني، وهذا نصها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» فكلمة البتة ليست من أسلوب القرآن، وكلمة الشيخ في القرآن الكريم لا تدل على الرجل الثيب، وإنّما تدل على الرجل الكبير الطاعن في السن، وفي العربية يقال للمرأة المسنة «عجوز» وليس «شيخة» (قَالَت يَاوَيلَتَى ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعلِى شَيخًا)
[هود:72] (إنَّ لَهُ أَبًا شيخًا كَبِيرًا) [يوسف: 78] (وَأَبُونَا شَيخٌ كبير) [ القصص:23]
للحديث صلة.