..مازالت ذاكرتي المثقوبة التي يبدو أنها شاخت بفعل الزمن
وبفعل الأحداث تحفظ صورة ذلك المعلم العربي (يوسف) داخل فصل من الحجر والطين وهو يرسم لنا على لوح خشبي قديم خارطة الوطن العربي ونحن نردد خلفه بصوت جماعي مرتفع: «بلاد العُرب أوطاني....».
لم نكن نعي الحدود ولا المسميات، لكننا نحمل شعوراً زرعه فينا ذلك الأبي...!!.
*****
.. كبرنا وكبرت معنا المفردات العربية، وكانت تلهب حماسنا قصائد شوقي وحافظ والشابي والرصافي وأبو ريشة.
كنا نقرأ بشغف وبألم حروب 48، 67، 73، ونتتبع بزهو بطولة عمر المختار، ونصفق لجسارة أطفال الحجارة.
باختصار: كنا نملك حساً عربياً طاغياً يستوعب ما بين المحيط والخليج، قبل أن تباعدنا الأسلاك الشائكة، وتعصف بنا الريح...!!
*****
.. هذا الحس بدأ وكأنه فطرياً، يسكن وجدان الإنسان العربي بعيداً حتى عن تلك الشعارات القومية التي كان يزايد عليها بعض القادة الثوريين، كما يصفون أنفسهم.
لكن فجأة بدأ هذا الحس يخفت ثم يتلاشى، فماذا حدث؟!!...
*****
أثناء موجة التتريك العثماني، وأيضاً أيام الاستعمار الغربي..
كان هناك استهدافاً موجهاً ومركَّزاً لتحطيم الذات العربية من الداخل، ربما بدرجة لا تقل عن استهداف المقدرات الاقتصادية والثروات الطبيعية.
عملوا على التغريب وإضعاف الشعور الانتمائي (معتقَداً ولغة وجغرافية وتاريخاً ومقدرات).
ورغم أن الاستعمار قام باقتسام الكعكة العربية بعد الرجل المريض إلَّا أن الحس العروبي لم يزل يتنفس البقاء، رغم كل الظروف...!!
*****
وفي المرحلة الحالية وهي الأنكى والأشد
والتي شهدت العديد من الأحداث.. من تداعيات مخطط الشرق الأوسط والفوضى الخلاقة والربيع العربي كان تدمير الذات العربية والإطاحة بأي شعور وحدوي أو انتماء عربي بعد أن قذفوا بنا في أتون الحروب، وأشعلوا فينا الصراعات الطائفية، وألقوا بنا في سحيق «التغريب»، حتى أصبح العربي يقاتل العربي وذهبوا بنا إلى أبعد من ذلك حين جعلوا العربي يتنكر لذاته ولعروبته ولوطنه، واصطف مع الفُرس....؟!!
*****
.. وما يحدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا هو حصاد الهشيم المر لكل تلك المخططات.
أما الأكثر مرارة فإن المنطقة العربية تتعرض لمشروع فارسي شرس، في ظل هذا التفكك والهشاشة والضعف في الأوضاع العربية...!!
*****
.. قدرُ العرب الذي عليهم أن يعوه ويواجهوه
هو ضرورة وجود مشروع عربي وحدوي يكون حائط ردع وصد للمشروع الفارسي.
وعلى العرب ألَّا يعولوا على أي حلول من الخارج ، بل ويكونوا أكثر حصافة بحقيقة ما خلف الأكمة.
والتاريخ يذكِّرنا بحيل «مكماهون» وتقسيمات «سايكس بيكو» وتخطيط «برنارد لويس»....!!.
*****
.. إن الفكر أو الشعور الوحدوي هو هاجس قديم، فتاريخياً.. العرب لديهم نزعات مستمرة نحو المشاريع الوحدوية، بدءاً من الثورة العربية الكبرى عام 1916، مروراً بأكثر من 13 نموذجاً وحدوياً ثنائياً ومحورياً على مدى أكثر من سبعين عاماً...!!
*****
.. وحالياً.. عملت المملكة على قيام التحالف العربي في اليمن لمواجهة المشروع الفارسي.
ولكن لا بد من التوسع من التحالف إلى مشروع عربي وحدوي تكاملي (سياسياً واقتصادياً وعسكرياً)، في هذه المرحلة الحرجة والحساسة
على غرار الاتحاد الأوروبي.
*****
.. أتمنى من الزعماء العرب، وهم الأكثر إدراكاً للأخطار
أن يقوموا بمبادرات جادة في هذا السياق.
وفي المقابل أتمنى من الجامعة العربية أن تبدأ بعمل نوعي في قيادة العمل العربي المشترك حتى تستنهض الشعور وتلم الشتات.
نحن قوة إذا استشعرنا قيمنا وقيمتنا ومقدراتنا وهويتنا.
علينا أن نتجاوز خلافاتنا العربية العربية، وعلينا أن نعيد ما فقدناه الى الحضن العربي ولا ندع لأحد فرصة اختراقنا...!!
*****
.. يرى المفكر الأمريكي (نومان) بأهمية إحياء الفكر القومي في المنطقة العربية، فقد أثبت التاريخ أن دول الوطن العربي تنجح في مواجهة التحديات مجتمعة..!!.