بالرّغم من التقدّم الحضاري الإنساني في سبيل مزيدٍ من الرفاهية والتّرف، إلّا أنّ من المُلاحَظ ازدياد انتشار الشّعور بالغُبن الفئوي والمعاناة من غيابِ العدالة الاجتماعية في العالم، واستمرار اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتفشّي الأثرة والأنانية، وضعف اهتمام الفرد بالمصلحة العامة.. يقول (ابن خَلدون): «الترف مُفسِدٌ للخُلُق».
ومما يحزّ في النفس، نشرُ كثير من الأفراد المُترَفين مظاهر ترفهم الفكري والاجتماعي، مُتجاهلين الفروقات المُرعبة بين فئات الناس، غير مُكترثين بمعاناة المُعدَمين والفقراء والكادِحين، فالمُترَفين -بشكل عام- يظنّون أنهم مُستحقّون لامتيازاتهم الاجتماعية والماديّة، وأن اكتسابها أمرٌ ميسورٌ للناس إذا استمعوا لنصائحهم حول النجاح والثراء والسّعادة، فتجد أحدهم يستعرض امتيازاته الفاحشة أمام البائسين، ويصوّر لهم الحياة وردية من برجه العاجي، فيثيرُ مشاعرهم المُرهقة، ويسحقُ خواطرهم المكسورة، ويحمّل الناس مسؤولية اكتسابَ سعادتهم فيقول: «السعادة في مُتناول يديك»!!.. «أنت المسؤول عن سعادتك»!.. «النجاح مجرّد قرار»!!، ويبثّ اقتباساتٍ وجمل تحفيزية ساذجة مستفزّة غير واقعية، يضحك بها على البُسطاء، يحمّلهم بها نتائجَ ضعف العدالةِ الاجتماعية وقصور منظومة الحقوق والتربية والقوانين، ويكلّفهم نتائج ظروفٍ سيئة مُحبِطة، تتسبّب في قمع مواهبهم وإبداعاتِهم.
ليس من الحكمةِ تحفيزُ المقهورين والفقراءِ والكادحين، وأصحابِ الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنّفسية القاسية، بأمثلةٍ من القلائل المُبدعين الناجحين وبعضِ الأغنياء والمُتنفّذين، الذين نجحوا لاختلافِ ظُروفهم ومواهِبهم عن كثيرٍ من المحرومين، ومن غيرِ المُروءة محاولةُ أحدهم بحماقته الّلعب بمشاعر المُعوِزين والكادحين، حيث ينشر بينهم أنه «لا مستحيل»! وأنّ «بالإرادة» يمكنك الوصول لجميع أهدافك! وأنّ «أفكارك هي السّبب في سلوكك، غيّر أفكارك فقط، تتغيّر حياتك»!! وهذا في رأيي أسلوبٌ ساذجٌ وكلام ساخرٌ حالمٌ غير واقعي، يتسبّب في الإحباط والتحسّر والغيْظ.
يبدو لي أن بعض المُترَفين فكريّا، بعيدون عن الواقع، ويستغلّون فُرَص إحباطات بعض الناس وإصابةِ آخرين باضطرابات نفسية وشخصيّة واجتماعية فيبيعونهم الأوهام وقد يتكسّبون من خلالهم، ولا أستغرب إصابتهم هم أنفسهم بهلوسات فكرية ومشكلاتٍ نفسية واضطرابات شخصية «نرجسيّة»، تستدعي علاجاتٍ سلوكيّة طبية.
فيا عزيزي صاحب التّرف الفكري والاجتماعي، باركَ الله لك، إذا أردتَ أن تكون مُحفّزًا ومشجّعًا على الإبداع والنجاح وتطويرِ الذات، ربُّما ينبغي عليك أولاً أن تتفهّم فكر البُسَطاء الكادحين، وتتلمّس ظروفَهم ومُشكلاتَهم، وتكون مُلمًّا بالعقبات النفسية والاجتماعية والاقتصادية من حولِهم، ثم تكون لديك الجرأة أن تنتقدَ واقعهم السيّئ، وتدعو إلى مكافحةِ الفساد الإداري والاجتماعي وتحسينِ الظروف الاجتماعية المُحبِطة، وإلّا، أرجوك أن تخفض أصوات تَرفك وصخَب لهْوك، فهناك بعض البؤساء من حولك، يحاولون النوم!.