Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عادل خميس الزهراني

الصُوَر حرام.. والمناهج التعليمية مليئة بالصوَر.. فما الحل؟!

A A
هذا ما حدث مع ابنتي في المدرسة..

نظّمت المدرسة مسابقةً ما، تفاعلت معها ابنتي مثل باقي زميلاتها.. حدّثتْنا عنها، وأعلنت بحماس نيتها المشاركة، استحثها النفّس الإبداعي في المسابقة.. وظلّت مشغولة بها؛ تبلّغنا بالتفاصيل أولاً بأول، وحين أعدّت مشاركتها حسب المطلوب، أرسلتْها سعيدة بإنجازها الصغير.. ببساطة كانت لوحة صغيرة، لامرأة محجّبة، مع تعليق جانبي، عن قضية ما.. لا شيء مثير هنا، أدري.. الإثارة جاءت في اليوم التالي حين أبلغتنا ابنتي برفض مشاركتها.. وخلفَ السبب يقف السؤال؛ بررت لها الأستاذة رفضَ المشاركة بأن فيها رسمة لإنسان، وهذا حرام.. لأن الإسلام يحرّم رسمَ الأرواح، وأرسلت لها -كالعادة- حديثاً مختلفاً عليه.

(هل تعتقدون أن هذا لا يمكن أن يحدث في القرن الواحد والعشرين.. لن ألومكم!!).. تقبّلت ابنتي الرد والعذر، لكني أعلم أن خلف عينيها الكثير والكثير من الأسئلة التي تشغل بالها، وبال الأجيال من حولها.

لنفكّر أولاً في حجم التناقض وتأثيره على أجيالنا في التعليم العام (وما يمثّله هذا العمر من أهمية في تشكيل الشخصية)، أعني هنا التناقض بين هذه الفكرة (فكرة تحريم الصور ورسم الأرواح)، وبين الكم الهائل من الصور والرسومات التي تمتلئ بها مناهجنا، وحياتنا في كل مكان وزمان.. قد يرى البعض أن هذا الرأي لا تأثير له عليهم، ربما... لكن دعونا لا ننسى أهمية المرجعية الدينية لأستاذ الدين في المدرسة على الطلبة، فهو بالنسبة لهم المرجع الموثوق فيه، الذي يحمل -وتحمل في حالة معلمة ابنتي- سلطة المعلم/القدوة وسلطة القابض على المعرفة.

هذه السلطة ليست مسألة عادية كما ندرك جميعاً، فتأثير المعلم على الطالب كبير جداً، وقد يمتد ليسْهِم في تكوين شخصية هذا الطالب وفكره في المستقبل، هذا يعني أن معلماً أو معلّمة (متطرفة أو ضيقة النظرة)، قد يشوّه أو تشوّه فكر جيل كامل من الطلبة، فما بالك بشريحة من المعلمين أو المعلمات الذين يفكرون بالطريقة نفسها، ويحملون الذهنية الضيقة ذاتها. إن الأمر ليس بسيطاً أبداً؛ فكل منّا يحمل في ذاكرته ذكريات رائعة لمعلمين كان لهم فضل كبير علينا، لكنّ ذاكرتنا تحمل أيضاً ذكريات -وندوباً ربما- تسبّب فيها معلمون هدامون، لا يؤمنون بالحياة، ولا بالإنسانية، ولا يعترفون بالآخر -رأياً كان أو إنساناً-، ولا يؤمنون بأي دور للفنون والآداب، بل بالعلوم الحديثة أيضاً.

أتذكر أنا بالذات أستاذاً لطيفاً محبوباً أسهم في تشويهِ عقولنا لسنين بما كان يبثّه من سموم وأفكار هدامة لا معنى لها، كان ذلك الرجل نموذجاً لآلة إنسانياً لآلة هدم، لا أعرف كيف نجونا منه.. (كان لا يلبس الساعة لكي لا يتشبّه بالكفار على سبيل المثال، ويحثنا على ذلك، حقيبته تحمل حزمة نصائح وفتاوى -مدعمة بالأدلة- تضاهي عدم لبس الساعة، وربما تتجاوزها، تخلّفاً وتطرفاً).

تتضح خطورة الأمر حين نفكر أننا إزاء ذهنية لا تزال مسيطرةً رغم كل ما تفعله الدولة، ويفعله المسؤولون المتعاقبون في وزارة التعليم.. هذه الذهنية التي تمثّلها شريحة من المعلمين والمعلمات، (وهي بالمناسبة شريحة تؤمن بأنها على حق، وأنها تحمي الدين والمجتمع من الضلال بأفعالها). هذا يعني أن المعلمين والمعلمات (من هذه الشريحة) يقفون في مواجهة مباشرة أمام المناهج، وما تمثله من تجاوزات شرعية، يجب التحذير منها حسب زعمهم. ولا تقف -ولن تقف- المسألة عند الرسم بالطبع، فهؤلاء يبثون فكرهم حول الفنون، وحول الموسيقى، وحول السينما، وحول السفر، وحول الابتعاث، وحول قيادة المرأة، وحول حقوقها الأخرى، وحول العلوم والفلسفة.. وحول قضايا أخرى بديهية، أصبح التفكير في حكمها ضرباً من الماضي السحيق.

الآن.. تخيلوا جيلاً ينشأ تحت وطأة معركة مثل هذه، بين منهج يواكب خطاباً وطنياً منفتحاً ومقبلاً على المستقبل، وذهنية متمرسة خلف خطاب ماضوي مزيّف!! كيف سيكون، وكيف سينشأ؟! أعتقد أنه سؤال يبعث على القلق.. على القلق جداً!!

أعرف أن هناك من يرى أن هذه الذهنية تنقرض، أو أنها على وشك الانقراض.. لكني أخشى، مما أراه، وألاحظه، أن ذلك ليس صحيحاً، فهي رابضة.. لم تنقرض.. وتتحين الفرصة.. والأمثلة أكثر من أن تذكر.. انظروا حولكم وسترون؟

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store