في ذكرى استقلال الدولة، حيث ينبغي أن تسود روح الفرح والتسامح، سالت دماء المتحمسين الشباب في بنجلاديش احتجاجًا على زيارة أو مشاركة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في الاحتفال! والحق أن الاحتقان الذي يعتمل في نفوس الكثيرين من أبناء بنجلاديش يعود لعقود سابقة! يزداد مع حكم حزب «رابطة عوامي» ويقل مع صعود «الحزب الوطني»، وبمعنى أوضح يرتفع مع وصول الشيخة حسينة للحكم، وهو الأمر السائد والمستقر منذ سنوات طويلة، وينخفض في حالات استثنائية انتهت تقريبًا بتضاؤل فرصة وصول البيجوم خالدة للكرسي!
قالت لي البيجوم خالدة، حين التقيتها في منزلها بدكا: إن منافستها حسينة هي «تلميذة مخلصة لانديرا غاندي» و»ابنة نجيبة للهند»! قالتها ليس من قبيل الوصف الدقيق بالتأكيد وإنما من باب الكيد السياسي النسائي لمشروع حزب «رابطة عوامي»!
فإذا أضفنا لذلك، ما يجري للأقلية المسلمة في الهند «200 مليون نسمة»، عرفنا مبررات التظاهرات الحادة ضد زيارة رئيس وزراء الهند!
على أن المظاهرات هذه المرة لم تقتصر على شباب الحزب الوطني وتكتل الإسلاميين، وإنما شملت اليساريين أيضا احتجاجاً على ما وصفوه بالمواقف الطائفيّة الدينيّة للسيد مودي في الهند ضد المسلمين.
ويرى المتظاهرون المحتجون من اليسار ومن اليمين أن حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وتحديدًا «حزب بهاراتيا جاناتا» (BJP) الحاكم يسابق الزمن في ولايته الثانية، من أجل إضعاف مسلمي الهند.
ويشير هؤلاء إلى الوضع الخاص «لولاية جامو وكشمير ذات الغالبية المسلمة في الهند» حيث ألغيت الأحكام المتعلقة بشراء الأرض في الولاية من قِبل «الأجانب»، وحيث انعدمت الخطط الخاصة بالإجراءات الحمائية المماثلة لمناطق أخرى في الهند.
على أن الضربة القاسية تمثلت في «السجل الوطني للمواطنين» (NRC) و»قانون تعديل الجنسية» (CAA)، الذي يرى مودي أنه يهدف إلى حماية الهندوس، والسيخ، والأقليات الأخرى الموجودة في البلدان المجاورة ذات الأغلبية المسلمة، ويرى المعارضون المسلمون أن القانون «جزء من برنامج مودي الهندوسي الرامي إلى تهميش مسلمي الهند»
وفي غمرة الاستقطاب السياسي، يستغل المتطرفون الموقف في مهاجمة المسلمين وحرق منازلهم، كما حدث في دلهي وفي غيرها من مدن، وهو الأمر الذي سجلته هيئات حقوق الإنسان في الهند وفي العالم.
كما يتهم المتظاهرون رئيس الوزراء الهندوسي أنه وقف وراء أعمال العنف في حق المسلمين التي خلّفت نحو ألف قتيل في ولاية غوجارات الهندية عام 2002 عندما كان يرأس الولاية.
ومهما يكن من أمر ما يصفه البعض بالمبالغة في وصف أحوال مسلمي الهند، فإن ثمة خدوش واضحة في وجه «أكبر ديمقراطية»، إنها الديمقراطية التي لن تدوم وتتقدم وتتطور إلا بالحفاظ على روح التسامح ونهج التنوع الذي امتازت به الهند على مر السنين!
لن أعود أو أذكر بالفصل المأساوي من فصول التعصب الديني المقيت، والذي نتج عنه إبادة 200 ألف مسلم ومسلمة في ولاية أسام عام 1983 وتسوية 7 قرى بالأرض! لكني سأذكر وأتذكر بفخر وحب، حواري مع رئيس الوزراء الهندي «حبيب الفقراء» في بي سينج الذي قال لي إنه مستعد للتضحية بمنصبه إذا تسبب في جرح مشاعر الأقلية المسلمة!
أتذكر كذلك، رئيس الوزراء تشاندرا شيكر، الذي قال لي كذلك، إن الأقلية المسلمة بمثابة شريحة في قلب الأمة، إذا انكسرت، انكسر الجسد كله.