إن التفكير يستدعي أن يكون الإنسان منصفاً؛ فيتفكر في نفسه، ووضعه، ودوره في هذه الحياة، وما يجب أن يكون عليه.. فإذا كان راعياً فهو مسؤول عن رعيته؛ فيفكر دائماً في مستوى أدائه، وأداء معاونيه، لعمله بالعدل والإحسان والأمانة والنزاهة والشفافية؛ لأنه القدوة، وإذا كان أستاذاً؛ فإن التفكير يفرض عليه تطوير معارفه ومعلوماته ومداركه ليطور نفسه من أجل أداء أفضل وتدريس أنفع وأجدى، لا أن يكرر لنفس المادة نفس المعلومات سنين عدداً؛ بل يتعامل مع طلابه بجدية، ويشحذ فيهم هِممَ التفكير وروح العمل الرصين، وهكذا في جميع مناحي الحياة المدنية والعسكرية على السواء.
صحيح إن التفكير هو البوابة الرئيسية لأي بحث علمي مفيد وهو مطلوب من الجميع، إلاّ أن عبئه الأكبر يقع على ذوي الشهادات العليا والتخصصات العلمية في شتى المجالات، وهذا رسول الله-عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه- يقول: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع؛ عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه».
فنظرة سريعة على الكتب العربية وغير العربية المقررة في جامعاتنا لمواد كل الكليات؛ تفيد وبكل أسف أننا عالة على غيرنا في أبسط الكتب الجامعية، والمحزن الأليم أننا لدينا كفاءات علمية وطنية لا تقل مستوى إن لم تكن أعلى من مؤلفي تلك الكتب المستوردة، وهذه قضية وطنية يجب تناولها عرضاً وتحليلاً من كل مواطن غيور؛ لمواجهة هذا التخلف الفكري في مواجهة هذه القضية.
إن من يفكر تفكيراً إيجابياً نافعاً، لا يرهب عدواً ولا يخشى فاقةً ولا يخاف مسغبةً، ويسعى دائماً للاستجابة إلى داعي الله سبحانه وتعالى الذي فضل بعض الناس على بعض في الرزق، ورفع بعضهم فوق بعض درجات... لماذا؟ ليبلوَهم فيما آتاهم.
فمن يفكر يفلح في اجتياز هذا الابتلاء، ومن لا يفكر يخسر في هذا الابتلاء، ويكون حسابه عند ربه عسيراً، حين لا يفلح الخاسرون.