Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

مصلحجية

A A
يصف العنوان استغلال أي علاقة لطرف على حساب الطرف الآخر وتمارس على مستويات كثيرة بداية من الفيروسات والجراثيم الأخرى إلى الحيوانات، والبشر، ووصولاً إلى العلاقات بين الدول والشعوب والمجموعات وأحد أوجه تلك الممارسات هي الاستعمار.. ولا يخفى على الجميع أن قصصها كثيرة، وأنها مليئة بالقسوة بأشكالها وألوانها المختلفة.. تجد فيها الاستغلال الفاحش لثروات البلدان المحتلة وأهمها البشر، والأرض، والمعادن، والخيرات الزراعية.

وكأمثلة نجد تاريخ الاستعمار الأوربي لأفريقيا وبعض دول آسيا، وأمريكا الوسطى، والجنوبية.. ونجد أيضاً استغلال الثروات الحضارية من علوم وتقنيات كما انعكس في الحملات الصليبية على فلسطين الشقيقة ولكن هناك بعض الأنشطة الاستعمارية الغريبة جداً، والتي تتطلب وقفات تأمل، واخترت لكم التالي: أبدأ ببعض الكيمياء فقد أكرمنا الله ببعض العناصر الرائعة التي تثري حياتنا ومحاصيلنا الزراعية ومنها عنصر النيتروجين.. وبالرغم من توفره بكثرة حولنا إذ يمثل حوالي ثمانين بالمائة من الهواء، إلا أنه صعب التكوين، وذلك لأن ذراته تعشق الترابط مع بعضها البعض في ثنائي شديد الروابط.. أقوى من الزواج الكاثوليكي.. لدرجه أنها لا تتحرر إلا بقوة شديدة مثل الصواعق، أو أنشطة بعض من أنواع البكتريا العنيدة التي تعيش على بعض أنواع البقوليات.

الشاهد أن تلك الروابط القوية بين زوج ذرات النيتروجين تجعل تحريرها من أصعب ما يمكن تحقيقه وبسبب حاجتنا الزراعية الماسة للنيتروجين، وعدم القدرة على تصنيعه تاريخياً، لجأ العالم إلى استخدام أحد أفضل المصادر وهو روث الحيوانات أعزكم الله وتم اكتشاف كميات هائلة منه على بعض الجزر المأهولة بالطيور فقط في المحيط وبالذات بالقرب من دولة بيرو في أمريكا الجنوبية وأطلق عليها اسم «جزر الجوانو».

وبدأت حملات الاستغلال لهذا المورد الطبيعي الغريب للتنمية الزراعية في الولايات المتحدة وأوروبا تم تكريس أساطيل بحرية ضخمة تحولت بعدها إلى صناعة كانت من الأكثر عفونة، والأكثر ربحية في التاريخ وكاد الطلب الهائل على تلك الفضلات أن يؤدي إلى حروب بين بعض الدول وأهمها الولايات المتحدة وبيرو في مطلع القرن التاسع عشر وبعدها في عام 1856 صدر أحد أغرب القوانين الأمريكية لتبرير وضع اليد الفردية أو المؤسساتية على «جزر الجوانو» إن لم تكن تابعة إقليمياً لأي دولة أخرى وكان يهدف ذلك القانون العجيب إلى تأمين كميات من روث الطيور لصناعة السماد الطبيعي.

وكان ثميناً لدرجة أن أطلق عليه اسم «الذهب الأبيض».. تخيل.. قاذورات توصف «بالذهب».. وجاء في القانون دعم الأسطول البحري الأمريكي لوضع اليد من الشركات أو حتى الأفراد وفي عام 1909 تلاشت أهمية مخلفات الطيور بسبب جهود عالم كيمياء ألماني اسمه «هابر» بعدما اكتشف آلية استخراج النيتروجين صناعياً من الهواء ولكن أهمية تلك الجزر عادت إلى الساحة عند ارتفاع نشاط الحركة الجوية المدنية والعسكرية وتحديداً فقد استخدمت العديد من تلك الجزر كقواعد عسكرية جوهرية لشن الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية ومن أشهرها جزر «ويك» و»ميدواي» وغيرها.

أمنيــــة:

الحمد لله أن وطننا الغالي لم يقع فريسة للاستعمار.. والمملكة من الدول الفريدة النادرة التي لم تطلْها القوى الاستعمارية، وتلك القوى غيَّرت تاريخ العالم من خلال الاستغلال المنظم للبشر، وسطح وباطن الأرض، والهواء، والماء، وحتى روث الطيور.. والله أعلم بالدمار الذي سببته،

وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store