الفنانون السعوديون والعرب وعدد من فناني الدول الإسلامية وغيرها تم حشدهم تحت مظلة الفن التي تجمع ولا تفرِّق، وتم تجسيدها في المعرض الفني الموسوم (مساجد تُشد إليها الرحال).
نشأت هذه الفكرة في أعقاب اللوحات الثلاث التي رسمها الفنان ضياء عزيز ضياء للمساجد الثلاثة التي ذُكرت في الحديث الشريف: (لا تُشد الرحال إلَّا لثلاث: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى).
ولعل ذلك يذكِّرني بالكتاب القيّم الذي صدر تحت عنوان: "المساجد التي تُشد إليها الرحال" والذي لم أعثر عليه حتى الآن.
لقد استطاع الفنان ضياء بلوحاته الثلاث أن يطلق العنان لخياله، فأبدع فيها، وكانت أكثر تميزاً، فاستدعت تلكم المبادرة الكريمة التي أطلقها الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بعد تعايشه معها، وتم توجيه الدعوة لسبعة عشر فناناً وفنانة من مختلف أنحاء العالم يمثلون ثلاث عشرة دولة لرسم المساجد الثلاثة، مع إطلاق الحرية التامة للإبداع دون أي قيود، وهذا ما حدث بالفعل.
وتزامن هذا الحدث الفني الكبير مع مناسبة أخرى حيث اختيرت مكة المكرمة عام 1426هـ عاصمة للثقافة الإسلامية، وأقيم معرض للفن التشكيلي والثقافي بأبرق الرغامة في جدة، واطلع الزوار على 49 لوحة فنية معبرة عن خيال كل فنان استخدمه في لوحاته الثلاث، وكل لوحة تضاهي الأخرى، فبعضهم استوحى لوحته من ألوان الطبيعة وبعضهم من النور الذي يشع من الكعبة في مكة المكرمة نحو أرجاء العالم، أو القبة الخضراء في المدينة المنورة، أو تجسيد الإشعاع الذي صدر من مسجد القدس الشريف، حيث قصة معراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من هناك.
كل فنان أو فنانة له أسلوبه المتفرد، وشاهنوزا من أوزبكستان غمرتها الفرحة لاختيارها للقيام برسم المساجد الثلاثة التي تشد لها الرحال، ووجدتها فرصة للتعبير عما يدور بخلدها عن هذه المساجد، بينما الفنان جميل بلوشي من باكستان كان يركز على الجوانب الروحية واختار اللون الأبيض وهو لون السلام -كما أسماه- ويعبر عن القيم الخالدة للإسلام.
لقد أضحت مثل هذه الفعاليات الثقافية علامة فارقة للارتقاء بالحس الفني وتوسيع آفاق المعرفة في ظل تعدد الدول والجهات المشاركة فيها، بما يحمل رسالة سامية للعالم كله تكشف عن نقاء وأصالة الثقافة الإسلامية القائمة على التنوع والتعارف والتأثر والتأثير ومحاكاة التاريخ الإسلامي المجيد.
ويبقى الفن بكافة أشكاله إحدى الأدوات التي تعكس الوجه الحضاري للأمم وتعزز لغة التواصل بينها، وتدعم تلاقحها الفكري والثقافي.