عندما كانت الدراما السعودية تلجأ في أزمنة سابقة إلى تقنية (الحلقات المنفصلة) قصيرة النفس، وإلى سباق مشاهد (الطقطقة) الخفيفة التي تشبه (الاسكتشات) المدرسية، كنوع من الاستسهال، كنا نجد لها بعض العذر -بل ربما كل العذر- في ذلك، فقد كنا نحيل ذلك الخلل الفني الكبير إلى قلة الإمكانيات البشرية من ممثلين و(ممثلات) على وجه الخصوص، وإلى رفض المزاج الشعبي العام لهذا النوع من الفنون في ذلك الوقت الذي تسيّدت فيه مفاهيم متشددة ترفض هذا الفن وغيره من الفنون.. أقول إذا كان الاستسهال ودراما (الطقطقة) مقبولة في تلك الحقبة فإنها لم تعد كذلك اليوم، في ظل وجود وزارة ثقافة داعمة ومتوثبة، وفي ظل مناخ عام بات يقدر ويتفهم الفنون وأهميتها، وقبل ذلك كله في ظل رؤية مباركة تريد القفز بالبلاد نحو مستويات متقدمة في كل مجالات الحياة.
من نافلة القول إن الدراما بكافة أنواعها تعدّ من أهم أدوات القوة الناعمة لأي دولة، ومن أسرع وسائل الإعلام تأثيراً في المجتمعات، وقدرةً على توجيه الرأي العام المحلي والعالمي، وكثيراً ما اعتمدت عليها دول كبرى في تحسين صورتها النمطية وتعزيز مكانتها بين المجتمعات العالمية، وقد كان النجاح حليف معظمها خصوصاً من اعتمدت منها على إرثها الثقافي، وعلى مخزونها الشعبي ورؤيتها المحلية.
تملك بلادنا تراثاً ثقافياً عريضاً وعميقاً ومتنوعاً جداً، بحكم تنوعها الجغرافي وثرائها الإنساني، وعمقها التاريخي المليء بكم هائل من الشخصيات الإنسانية الخالدة، وقصص البطولات والقيم الإنسانية العليا، فضلاً عن الخيال الشعبي الواسع الذي من الممكن أن يكون مادة دسمة ومستدامة لأعمال درامية قوية وثرية ومؤثرة محلياً وخارجياً بدلاً من سندوتشات اسكتشات (السخافة) التي لا تتناسب مع عهد الرؤية وطموحاتها المرتفعة، ناهيك عن أثرها الممل وتأثيرها التربوي السيىء.
أعرف أن الأمر ليس سهلاً، وأنه مكلف ومتعب نوعاً ما، خصوصاً في ظل عدم وجود الكتاب والمنتجين المتخصصين في هذه الأعمال، لكن الأمر يستحق بالفعل أن نمنح الفرصة للكتاب الشباب، وأن نحفزهم للغوص في بحور تاريخنا الطويل لاستخراج بعض مكنوناته الكثيرة والثمينة، وتقديمها بدلاً من الأعمال الحالية، خصوصاً وأن المرحلة الحالية من عمر المملكة العربية السعودية بكل زخمها بحاجة الى أذرع إعلامية قوية ومؤثرة تسير معها في نفس الاتجاه، وتحقق بعض أهدافها.
الدراما الحقيقية هي التي تقدم ما يحتاجه الناس لا ما يريدونه.. وهي من تصنع الفارق؛ حين تصنع الوعي الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض، لكن هذا لا يحدث إلا عندما تكون هذه الأداة التوعوية الخطيرة في أيدي المثقفين لا في أيدي التجار والمستثمرين، وهو الدور الذي نأمل من وزارة الثقافة القيام به مشكورة.