عندما أخذت مادة (كورس) الفطريات كمقرر اختياري مع الدكتور كمال توفيق -رحمه الله تعالى- كان أصعب ما في دراسة الفطريات كثرة أسمائها وتصنيفاتها اللاتينية ومميزات كل نوع وما تصيب به من أمراض.. إن الفطريات تعد من شعبة الكائنات (الأحياء) الدقيقة مثلها في ذلك مثل البكتيريا أو عالم الفيروسات (أجسام حيوية وليست كائنات حية) وبقية عوالم (طوائف) الشعب الحيوانية وما في مملكة النبات من تقسيمات فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى كما قال تعالى (أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) أي أن كل مخلوق له تركيب Structure ثم جعل سبحانه وتعالى لكل تركيب وظيفة Function ولو أردت أن أشرح لكم عالم الفطريات - سلالاتها وأنواعها وتكاثرها وتكويناتها المختلفة وما تسببه من أمراض على الإنسان والحيوان والنبات فإنه لا يمكن تغطية ذلك بمئات المقالات والصفحات وأحيلكم في هذا إلى من هو أكثر تخصصًا مني زميلي في القسم البروفيسور صالح القرني فهو من أهل الاختصاص في ذلك، ولكن نقف في هذا المقال لنوضح ما انشغل به الناس اليوم من ذكر الفطر الأسود الذي أصاب بعض من أصيبوا بفيروس كورونا سواء في الهند حيث كان هناك أكثر وضوحًا أو ما أصاب الفنان الكوميدي خفيف الظل سمير غانم -رحمه الله تعالى- وفي ظني أن وسائل التواصل الاجتماعي أوجدت في نفوس الناس شيئًا من الذعر والخوف لدرجة أن بعضهم اتصل بي يسأل هل سينتشر هذا الوباء مثل كورونا؟
إن الفطر الأسود ليس إلا مجرد فطر مترمم ينتشر عبر جراثيمه (تسمى علميًا الأبواغ) وليس وباءً، وهو نادرًا ما يصاب به الإنسان بسبب ضعف مناعته أما سليم المناعة فإنه لا يدركه من الفطر أي ضرر بل أن جهاز المناعة يدحره ويغلبه، ولعل الكثير كان يشاهد ما يعرف بعفن الخبز وظهور لون أخضر وأسود على الخبز عند تركه فترة طويلة في المطبخ فالفطر الأسود هو شبيه به ويبقى السؤال ماهي علاقة هذا الفطر بكورونا ومرضى الكورونا؟
إن العلاقة غير مباشرة ١٠٠% فالذي يصاب بكورونا لا يصاب بالفطر الأسود على الاطلاق ولا يمكن أن يصله أو تكون الكورونا سببًا في إصابته بالفطر الأسود إنما السبب هو هزالة وضعف جهاز المناعة عند الإنسان المصاب أساسًا وشرط أساسي للإصابة به هو تعرضه أو لقطه للفطر من البيئة حوله أي أنه لا يوجد ويتوالد مع الفيروس أو يكون الفيروس هو سببه فعند الإصابة بكورونا وتكون حالة المريض سيئة وتحتاج إلى استخدام أدوية مثل الكورتوزون أو أي أدوية أخرى ذات طبيعة مثبطة للمناعة فهنا وفي حالات نادرة يتعرض المريض للإصابة بالفطر الأسود أو حتى بعض البكتيريا الممرضة لأن ذلك يتيح انتهازًا وفرصة للتوغل في نسيج المريض لعدم وجود مقاومة مناعية أو شدة ضعفها فإن الطبيب يعطي المريض مضادات حيوية للتغلب على الفطر كما يحدث تمامًا في حالة الإصابة بالإنفلونزا وتنتهز البكتيريا التسلل للمريض فيعطى مضادًا حيويًا ليس للقضاء على فيروس الإنفلونزا إنما لطرد البكتيريا وتفيد في كثير من الحالات في تخلص الجسم من الفطر الأسود أو من البكتيريا والدقة في وصف واعطاء مضاد حيوي يعطي نتائج أكثر نجاحًا.
ويبقى سؤال آخر كيف نتقي الإصابة بالفطر الأسود والفطريات عمومًا؟ في ظني الشخصي لا سبيل لذلك إلا بالنظافة والبعد عن مصدر التلوث بالفطريات سواءٌ في المطبخ أو مخازن الأغذية.. وقد كتبت مقالة في صحيفة عكاظ قبل سنوات مهمة جدًا بعنوان (المكسرات والإصابة بالسرطانات) تحدثت فيها عن أن أحد أسباب الإصابة بسرطان الكبد وغيره من السرطانات هو التخزين السيئ للمكسرات والبقوليات مما يجعلها مكانًا خصبًا لنمو وانتشار أنواع من الفطريات خاصة عند تعرضها للرطوبة وإطالة فترة تخزينها التي تنتج مادة سامة تعرف باسم افلاتوتوكسين المسببة للسرطان.. وعمومًا فإن الفطريات لا يقتصر أذاها على الإنسان إنما أيضًا النبات له نصيب منها وهو ما يعرف بأمراض النبات التي من أسبابها الأولى الفطريات.. حفظنا الله جميعًا من الأمراض أسبابها ومسبباتها.