اسمع يا صديقي: حين تفعل الخير، قد تتورّط في أمور غريبة ومشكلاتٍ عجيبة، وقد تُثير بعض السّخرية والتعجّب، أو قد يصيبُك بعض الأذى والإساءة، وحين تكون لطيفاً، قد تواجه الوقاحة وقلّة التهذيب، لا أدري ما أقول لك، لا أعلم ما الحل، ولا أجد لك أيّ تفسير أو تبرير، ولكن على أيّ حال، افعل الخير وكن لطيفاً.. فإن كان نصيبك من الدنيا جبر الخواطر وكفّ الأذى، فقد نجوت.
الدنيا يا صديقي تغصّ بسوء الأدب وقلّة الذوق وضعف الضمائر، والحياة تضجّ بالعنف والقسوة وكسْر الخواطر، فحاول أن تكون جميلاً، واعتنق المواساة وتطييب النفوس وستر العورات وجبْر العثَرات، حين تطغى الأنانية ويقوى هوس التغلّب وينتشر حب الاستحواذ.. هنيئا لمن استخدمه الله في جبر خواطرِ عباده، وأشغلَه بتعزية الناس عن آلامهم، وحبّبه في كشف كُرَبهم، وأمكَنه من تفريج همومهم، فجبْر الخواطر على الله -سبحانه وتعالى- وهو المتكفّل به على وجه الأصالة، فقد روى البزار والطبراني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخلْق كلّهم عيال الله، وأحبّ خلقه إليه أنفعُهم لعياله»، ومعنى عياله: الذين يعولهم الله بنفسه ويقوم برزقهم والتكفّل بهم.
إنّ من صور مكارم الأخلاق، جبْر الخواطر بجميل المنطق والملافظ، فبعضهم لا يحتاج نصيحةً أو حلاً، بل يتوق لتستمع إليه، وتشعر بمعاناته وتقدّر آلامه، وتطيّب خاطره، وتضمّ إليك قلبَه، فحسْب.. لا يضلّ ربّنا سبحانه ولا ينسى عمل عامل من عباده، وكريم عوضه في الصحة والمال والسعادة والطمأنينة ليس من شأننا، لكنّه واقعٌ لا محالة، بتأكيد وعدِه في كتابه العزيز وعلى لسان نبيّه الكريم.. جاء في الأثر: أنّ امرأةً من الأنصار دخلت على عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، وبكَتْ معها كثيراً دون أن تنطق بكلمة، قالت عائشة: «لا أنساها لها».. في بعض الأحيان، يكمن جبر الخواطر في أن تكون مُشاركا، موجوداً، وموجوعاً.. فحسْب.
أعلمُ أنّ التعامل مع الناس أمرٌ في غاية التعقيد والضبابية، وقد يكون محفوفاً بالأذى والمعاناة، كُن لطيفاً في كلّ الأحوال، ثم تجاهل وتغافل، واعتزلْ منهم من يؤذيك.. وبالرّغم من جميع المآسي وخيبات الأمل وقهر الحياة وغلَبة الهموم، يجب أن نقاوم، وأن نحبّ، ونصلّي، ونغنّي، ونجبر الخواطر، ونخاطبَ الناس باللطف واللين، ونأخذهم على قدْر قلوبهم، فبعض القلوب رقيقةٌ لا تحتمل.