أمريكا ستعود إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي تم التوقيع عليه عام 2015م، هذا أمر يتفق جميع المراقبين السياسيين عليه، إدارة بايدن الحالية في واشنطن تصر على أن إيران ترغب أيضًا العودة الى هذا الاتفاق، لذا تواصل الحديث مع الإيرانيين بعيدًا عن المحادثات الجارية الآن في فيينا وعبر الكواليس، ورغمًا عن أن موسكو سعت للقيام بدور وساطة في هذا الأمر إلا أن إدارة بايدن لا ترغب في أن يكون لروسيا دور مهم خاصة وأنها تعتقد أن الكرملين لعب دورًا خلال المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران عام 2015، لإفشال مفاوضات الاتفاق النووي مستغلًا الخلافات في ما بين الصفوة الحاكمة بإيران.
ويستشهد الأمريكيون برغبة إيران العودة إلى اتفاقهم النووي الذي وقعوه مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق، أوباما، بما قاله خامئني، المرشد والقائد الإيراني في خطابه السنوي يوم 21 مارس الماضي، بأن إيران قد تكون على استعداد لقبول تعديل الاتفاق، مضيفًا: «طالما كان في صالح إيران»، ويؤكدون أن إيران لم تنسحب من الاتفاق النووي عندما أعلن الرئيس دونالد ترمب عام 2018 انسحاب واشنطن بل صعدت الضغوط المباشرة وغير المباشرة على واشنطن للعودة الى الاتفاق، وبينما أدت الضغوط المالية الأمريكية الى اعتماد إيران على عدد صغير من الشركاء التجاريين (كما جاء في تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز الشهر الماضي)، استحوذت الصين على أكثر من 8 % من صادراتها وحوالي 28% من وارداتها إلا أنها لم تتحمس كثيرًا لاتفاقية «الشراكة الإستراتيجية الشاملة لمدة 25 سنة» التي أعلنتها إيران والصين في شهر مارس الماضي رغمًا عن أنها مرتبطة باستثمارات صينية بمبلغ 400 مليار دولار لأن ذلك، كما يقولون، مسعى صيني للإشراف والسيطرة عسكريًا عبر مراقبة مواني إيران ومطاراتها. لأن الإيرانيين يعلمون بأن رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عبر العودة للاتفاق النووي هو الذي سيؤدي الى تحقيق استقلال بلادهم اقتصاديًا.
بالنسبة لإدارة بايدن فإن عودة إيران إلى الاتفاق النووي ستحقق عدة أهداف ومنها إلغاء مفعول انسحاب إدارة ترمب من الاتفاق وتأكيد أنه كان سياسة خاطئة من إدارة يمينية يكرهها اليسار الأمريكي الحاكم الآن، وأن ما قام به جو بايدن كنائب للرئيس في إدارة أوباما كان موقفًا صحيحًا حيث كان دوره حينها عندما تصاعدت أصوات العديد من أعضاء الكونجرس من الحزب الديموقراطي الحاكم والحزب الجمهوري محذرة من الاتقاق وعواقبه أن يسعى لإقناع الكونجرس عدم الاعتراض رسميًا على الاتفاقية وترك إدارة أوباما للالتزام بها، ونجح في ذلك، كما أن النخبة الحاكمة بواشنطن تعتقد أن بإمكانها تحويل إيران إلى دولة تابعة للمبادئ التي يبشرون بها كما فعلوا في أوروبا الشرقية عند سقوط الاتحاد السوفيتي.
التجربة أثبتت أن ملالي إيران الحاكمين لن يلتزموا بأي تفاهمات تتم خارج إطار بنود اتفاقية أوباما النووية حيث إنهم اندفعوا بعد تلقيهم بلايين الدولارات نتيجة للاتفاق الى التوسع في إنتاج الأسلحة الهجومية التي استخدموها ضد جيرانهم، وتمويل جماعات إرهابية في أكثر من بلد عربي، والسيطرة على أربع عواصم عربية كما صرحوا حينها.
لذا على الدول العربية ومنها الخليجية أن تراجع وضعها فهي لن تتمكن من إيقاف أمريكا عن تمويل الأطماع العسكرية والتخريبية الإيرانية في المنطقة ولكنها يمكن أن تضع خطة تستفيد بها من قوتها الاقتصادية وقدرات القوة الناعمة التي تتوفر لها للعمل ضمن إستراتيجية جديدة يتم وضعها والاتفاق عليها، تجعل من الصعب على إيران أن تهيمن بأعمالها التخريبية على جيرانها وتدفعها الى التراجع عن أطماعها الاستعمارية في الأربع العواصم التي تقول أنها تهيمن عليها والتعاون مع العرب بشكل عام والخليجيين خاصة لبناء تعاون يخدم المنطقة بما فيها إيران.