تزامن إعلان طهران عن فوز مرشح التيار المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي، رئيس السلطة القضائية، مرشح رجال الدين والحرس الثوري تحت مظلة المرشد علي خامنئي برئاسة الجمهورية مع تسريب واشنطن لخبر تقليص الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وسحب منصات الحماية من الهجمات الصاروخية من العراق وعدد آخر من البلدان العربية.. وليس من الواضح حتى الآن إن كان كل ذلك قد تم بالتنسيق في ما بين طهران والإدارة الليبرالية الجديدة في واشنطن عبر المحادثات التي تجري بينهما مباشرة خلف الأبواب المغلقة أم أن الأمر كان مجرد مصادفة.. وفي كل الأحوال فإن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة كان أحد المطالب التي كررها علنًا نظام الملالي في إيران.. وتحدث عنها الليبراليون الأمريكيون بحجة أنها للتفرغ لمواجهة الصين في آسيا.. وهي نفس النظرية التي كانت إدارة أوباما تعبِّر عنها قبل تحول البيت الأبيض إلى الإدارة المحافظة السابقة برئاسة دونالد ترامب.
لم تكن طهران بحاجة لتنصيب إبراهيم رئيسي المتشدد والمتهم دوليًا بعمليات إعدام عبر السلطة القضائية لآلاف الإيرانيين المشكوك في ولائهم للنظام حتى يتمكن الطاقم الحاكم من تشديد قبضته على البلاد، فصلاحيات رئيس الجمهورية محدودة والمرشد الإيراني ومن يحيط به يتمتعون بصلاحيات مطلقة تتجاوز ما يمكن للسلطات الأخرى بمن فيها رئيس الجمهورية أن يتصرفوا به والدليل على ذلك أن من يسمون بالإصلاحيين والذين تولوا رئاسة الجمهورية أكثر من مرة لم يتمكنوا من تحقيق أي إصلاحات مما كانوا يعدون بها.. لذا يبرز تساؤل عن مغزى إقدام المرشد ورفاقه والحرس الثوري على الإصرار في تعيين متشدد منهم رئيسًا للجمهورية.. وهناك احتمالات متعددة منها أن الحاجة أصبحت متزايدة لتحديد من سيخلف المرشد الحالي الذي يتوقع البعض وفاته خلال الفترة الرئاسية المقبلة حيث سيكون لرئاسة الجمهورية دور في هذا الاختيار حتى إن كان محدودًا.. إلا أن الأكثر احتمالًا هو اقتراب موعد توقيع اتفاق نووي في فيينا وأن هناك مكاسب مادية كبيرة سوف تتلي ذلك.. وهي مكاسب تفوق بلايين الدولارات التي تحققت لطهران من سماح أمريكا لكوريا الجنوبية بسدادها مؤخرًا.. إلى جانب خطوات أمريكية أخرى استهدفت حسب التعبير الأمريكي (بناء الثقة) بما في ذلك رفع العقوبات عن بعض المسؤولين الإيرانيين وقد تفضل طهران أن يكون الفضل في ذلك والازدهار الاقتصادي المتوقع لرجل دين متشدد (رئيسي) وليس لمعتدل (روحاني).. والأهم من ذلك هو تفاصيل الاتفاق النووي الجديد الذي سيتم التوقيع عليه في فيينا، إذ سيتطلب (تنازلات) سيكون رئيس متشدد أكثر قدرة على دفع المتشددين لقبولها.. ومثال على ذلك سمح الاتفاق النووي الذي يقول الإيرانيون أنهم على استعداد للعودة إليه بتخصيب طهران لليورانيوم الى نسبة 3.67 بالمئة فقط للاستخدامات السلمية بينما الحديث الآن هو تخصيب حالي لليورانيوم إلى حدود 60 بالمئة.
وقال وزيرالخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في تصريح له قبل حوالى عشرة أيام «تطور برنامج إيران النووي يدفعنا إلى التوصل لاتفاق بسرعة».. والأهم سيكون الموقف في الاتفاقية المقبلة من نشاط إيران الإرهابي والتوسعي في المنطقة المحيطة بها وبرنامجها للصواريخ الباليستية وهو برنامج طالب البنتاجون، أيام إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أن يتضمَّنه اتفاق طهران النووي الذي كانت الإدارة تعده حينها، إلا أن إدارة أوباما تجاهلت ذلك ومضت قدمًا في توقيع الاتفاق الضعيف الذي نعاني منه الآن، حيث ازداد نشاط إيران التخريبي وامتدت إلى دول عربية وعالمية عديدة مباشرة وعبر وكلائها.
من الضروري، بل والحيوي، أن تنظر دول المنطقة خاصة العربية منها في توحيد جهودها لمقاومة المد التخريبي الإيراني بعد اتفاق بإيدن النووي مع طهران، ولن تفلح الجهود الفردية لكل دولة على حدة في مواجهة عدوان قادم مؤكد بل لابد من التنسيق في عدة مجالات مع شبكة قوية من دول المنطقة وغيرها، حيث ستسقط المنطقة بكاملها في (الفوضى الخلاقة) التي وعدنا بها، ولن يسلم منها حتى إيران والإخوان المسلمون الذين يعتبرون من أدواتها.