مع بزوغ فجر يوم جديد يتجدد الأمل بأحداث يوم مختلفة عن الأيام الماضية، ومع تغريد العصافير وسماع صوت فيروز وفنجان القهوة يتبرمج العقل على هذه الطقوس اليومية ويحاول الخروج من بوتقتها بطقوس جديدة لكنه لا يستطيع إلا أن يفعل ما اعتاد عليه يوميًا.. الخروج عن المألوف والتفكير خارج الصندوق ليس بالأمر الهين، لكنه ممكن إن عزمنا على التغيير والبحث عن الجديد. سعادتي في هذه اللحظات مع انتهاء مكالمة هاتفية مع صديقة قريبة للقلب والروح نتبادل الأفكار والآراء وأستشيرها في كثير من أمور حياتي، فارق العمر بيننا كبير هي من جيل غير جيلي ولكن تفكيرها وطريقة تعاطيها مع الحياة تروق لي وأرى فيها جانبًا من شخصية مختلفة عن بنات جيلها، نظرتها للحياة تمتاز بالعمق ولها أهدافها وطموحاتها وخطة عمل تسير وفقها بإتقان وحكمة ووجود هذه الفتاة في حياتي من منابع السعادة الحقيقية. استشرتها في موضوع مقالي هذا الذي كتبت عنوانه ولم أبدأ فيه وكنت مترددة هل أستمر أم أختر غيره، ولكنها أشارت عليّ بإكمال ما فكرت به. في الصيف حياة الناس تتغير مع شدة الحرارة ولوجود أوقات الفراغ الكبيرة وللأسف الشديد قلة من يستثمرون هذا الوقت في ما يفيد وينفع ويجعلون جل أوقاتهم للعب والسهر والنوم في غير أوقاته الطبيعية وبالتالي لن يشعروا بالسعادة إطلاقًا وقد اختل عندهم ميزان الحياة وضاعت عجلة الحياة في فوضى خلاقة. روح السعادة الحقيقي هو أن تكتشف شغفك الحقيقي وتسجل أفكارك على الورق، إن لم تستطع الخلو مع ذاتك ومخاطبتها وسبر أغوارها فلن يفعل ذلك أحد سواك. لحظات مصارحة الذات واكتشاف الميول والمواهب والشغف هو ما يجعلنا نستغرق فيما نحب بدون أن نشعر بالوقت بل نريد مزيدًا من الساعات لاستكمال هذا العمل وبحب كبير وشعور طاغ بالسعادة تغمرنا. الناجحون في كل مجالات الحياة ليسوا هم من اكتفوا بنيل الشهادات الأكاديمية ولا جمع الأموال والثروات وتحقيق الشهرة ونيل مزيد من الأضواء واهتمام الآخرين بهم، لا بل هم من عرفوا دروب الشغف الذي يستهوي أرواحهم وقلوبهم وتفكيرهم فيسعدون ويسعدون من حولهم. العمل الذي نمارسه يوميًا إن لم يكن شغفنا به حقيقيًا لن نستطيع أن نحقق الإنجازات المبهرة والبصمات الواضحة عبر الزمان، كل الحضارات الإنسانية خلدها أناس شغوفون بما كانوا يعملون، الفنان في مرسمه أو بين أحضان الطبيعة أو ذلك الشاعر المبدع في رسم ووصف حالة من الحب والعشق، كان متيمًا باللحظة وصادقًا في كلماته التي خلدت ذكراه، النحات في ابداع عمل انساني متميز لن يبقى أمام منحوتته لساعات طويلة قد يشعر بالألم في يديه وظهره وعضلاته لكنها آلام لا تثنيه عن شغفه ويستمر في عمله الذي يعشقه وشغف به حبًا. الكاتب في رسم كلماته والعاشق للحرف يطرب لسماعه، والفن بكل أنواعه يلامس شغاف القلب والروح والتي تتجلى في لحظات الخلوة مع النفس وتجعل الانسان أكثر رقة وعذوبة، والإنسان كلما ابتعد عن هذه الجوانب أصبح قاسيًا لا تطرف له عين ولا يتأثر بكل ما يدور حوله.. حتى الدموع التي تترقرق في العين مع كل انفعال إنساني في لحظات الفرح أو الحزن دلالة على قلب محب وشغوف بالحياة وبالتعبير عن المشاعر عندما تخوننا الكلمات وتضيع في مهب الريح. شغف يتجدد بكل ما يحيط بنا من جمال الكون وروعته في السماء ونجومها أو في البحر وأمواجه أو الجبال وشموخها أو في الأنهار وجداولها أو في الطيور وتحليقها أو في النجوم المتلألئة والشمس المشرقة والقمر المضيء وتسبيح لرب الكون العظيم لكل هذا الجمال وهذا الابداع خالق واحد أحد لا شريك له يمن علينا كل يوم وفي كل لحظة بنعم تتوالى ونفس تواقة للحياة وتجعلك أيها الانسان في حيرة مع ذاتك ما الذي يرضيك وما الذي يسعدك فترد عليك آيات عطرة من رب عظيم يقول في محكم التنزيل (ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها).. اللهم ألهمنا رشدنا واجعلنا أسعد خلقك بك ومعك وفي لحظات القرب منك، شغف أعيش به ومعه هو سحر الكلمات وعشق الورق واحتضان الكتب فما هو شغفكم؟