يغلب على ظنّي، من خلال اطلاعي وتأمّلاتي وتجاربي، أنّ تطبّع الإنسان بطبائع سيّئة هو الغالب، وأنّ ميلَه إلى ارتكاب الشرّ أقوى من ميلِه لعمل الخير، وهو لحسد غيره والانتقام منه، أقرب من إظهاره مشاعر تقديره وامتنانه، ويُقال إنّ الإنسان يألفُ الاعتياد على الشرّ أكثر من الخير، لأن الشرور في جبلّته وأصله وطبعه، والخيرُ إنّما يكتسبه لمصلحة مؤقتة أو منفعة طارئة.. يقول (المتنبّي):
والظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ
ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ
ومن غير المرجّح لديّ أن الإنسان «كائنٌ اجتماعي»، بل كائنٌ أنانيٌّ نفعيّ، وهو يختلطُ بالناس بحدود ضمانه لمصلحته الشخصية واحتياجاته المعيشية الغريزية، أمّا في غير ذلك، فهو يميل للفردانيّة والعيش بصورةٍ مُنعزلة، ويطغى عليه التنافس لا التعاون، بل والعدائية والوحشية.. يقول قدّيس الأدب الروسي (ليو تولستوي) في الاعترافات: «إنّ الناس يقدّسون الطموح وحبّ السلطان والطّمع وحبّ الشرّ والكبر والغضب والانتقام، فلما خضعْتُ لهذه الشهوات، صرتُ كغيري من الرجال، وشعرتُ أنهم عني راضون».
ويحبّ الإنسان اتفاق الآخرين مع آرائه ليشعر بالاطمئنان والارتياح، وهو لهذا يميلُ للإعجاب بتصرّفاته وتبريرها وإن كانت خاطئة، وانتقاد تصرّفات غيره والقدْح فيها وإن كانت صائبة! ومن خلال ميله الفطري لاكتساب شهرة أو لقبٍ أو وضعٍ اجتماعي، يميل إلى الانتهازية وحبّ التميّز، تبعاً للمعايير والقيم الاجتماعيةِ السائدة المقبولة، وأحيانا، مُعاكساً لتلك القيم والمعايير، أيضا بدافع التميّز والظهور.
أما الكذبُ والمبالغةُ والتهويل عند سرد القصص والأحداث، فهو ما يميلُ إليه الإنسان بشكل تلقائي في روايته الأحداث! وهو ما جعل التاريخ المسرود المتواتر أقرب إلى الخطأ والأوهامِ والأساطير.. وفي واقع الأمر، لا ينشد العقل البشري الحقّ والحقيقة بالضرورة، بل يميلُ بطبيعته إلى تصديق ما يشتهي ويرغب، والاقتناع بما تقتضيه مصلحتُه ويفيده في منازعاته ضدّ الآخرين.. يقول الدكتور (علي الوردي): «إنّ الإنسان بشكل عام، يميلُ إلى تصديق الأخبار التي تلائمه، ويُكذّب ما عداها».
إنّ الإنسان يميلُ لاستخدام ما يملك من مواهب وأدوات وإمكانات عقلية ومادّية، في سبيل البقاء والتمكّن والتغلّب، غاضًّا النظر عن أيّ قيم أو مبادئ أخلاقية يتذرّع بها، بل لا يتردّد عادة في استخدام الدّين وتعاليم الإله مطيّة لمصالحه الشخصية.