من الأمثال الحجازية الجميلة جداً هي «زي الحلاق... يضحك على الأقرع بطقطقة المقص»، والطقطقة هنا تعكس إحدى درجات البكش. والمقصود هنا هو الإيحاء بالعمل من خلال الصوت الصادر من ارتطام أجزاء المقص فوق رأس من يعاني من ندرة في الشعر.. وعذراً على الإطالة في المقدمة، فهذا المقال عن الطقطقة في الفضاء علماً بأن لا وجود للحلاقين في الفضاء طبعاً.. ولكن ممارسة الطقطقة الفضائية منتشرة. ولنبدأ بالإشارة إلى تزايد القوات الفضائية. في عام 2019 تم الإعلان عن إنشاء قوة عسكرية سادسة في الولايات المتحدة.. بالإضافة إلى القوات الخمس: الجوية، والجيش، والبحرية، ومشاة البحرية، وخفر السواحل. وهذه القوة الجديدة المستقلة تهدف إلى حماية الممتلكات الأمريكية المدنية والعسكرية في الفضاء الخارجي. وخلال هذا الشهر أعلنت بريطانيا عن إنشاء قيادة فضائية جديدة تتشارك في قيادتها القوات الملكية الجوية، والبحرية الملكية، والجيش، وبعض الإدارات الحكومية المعنية. وقبل فترة أعلنت فرنسا عن تفاصيل ترتيب مشابه. وأما روسيا والصين فلديهم ترتيبات فضائية عسكرية منظمة منذ فترة.. طيب وما السالفة هنا؟ .. يرمز مصطلح «العسكرة» إلى تحويل الاستخدام السلمي إلى الحربي، ولكن الفكرة هنا ليست دقيقة فتاريخ الاستخدامات الفضائية بدأ أساساً في الحرب ومن أجلها.. وتحديداً ففي عام 1944 كانت القوات النازية تعاني من كارثة بعد الأخرى على الأرض، وفي البحر، والجو.. وتم إطلاق أسلحة متطورة أهمها صاروخ «في 2 « V2 vergeltungswaffen أي الانتقام بالألمانية، وكان ضخماً بطول يعادل تقريباً طول ثلاث سيارات من طراز «لاند كروزر»، وكان يصعد إلى الفضاء الخارجي بسرعة تفوق خمسة أمثال سرعة الصوت، ثم يهبط بسرعة على الأهداف المعنية.. يعني كانت بداية الرحلات الفضائية في قمة العسكرة.. وتم تطوير أول صواريخ أمريكية في الأربعينيات الميلادية في القوات البحرية مشروع «فانجارد» وفي الجيش «رد ستون».. البحرية والجيش.. عسكرة في عسكرة. وعندما أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي في التاريخ في أكتوبر 1957 كان محمولاً على صاروخ باليستي عملاق متعافٍ من طراز «أر 7» صمم أساساً لحمل رؤوس نووية مميتة.. يعني العسكرة تحولت إلى «أسلّحة» بشد اللام.. وفي عقد السبعينيات عند تصميم المكوك الفضائي الأمريكي الذي كان مكرساً لاستكشاف الفضاء، تمت «عسكرته» من خلال تعديل تصميمه لزيادة حجمه وحمولته بسبب احتياجات وزارة الدفاع الأمريكية. وكانت لاستيفاء متطلبات حمولات عسكرية وأهمها حمل واسترجاع الأقمار الصناعية الضخمة التي تستخدم للتجسس والمراقبة.. والسؤال هنا هو ما علاقة كل هذا بعنوان المقال.. لم أذكر الطقطقة فيما جاء أعلاه بشكل مباشر ولكنها في صميم ما ذكرت. والإطار العام لهذا هو موضوع الحوكمة لتنظيم العمل في الفضاء الخارجي واستخدامه واستغلال ثرواته.. هناك مجموعة معاهدات واتفاقيات ومبادئ حاكمة دولية لأمن الفضاء تشمل: استخدام الفضاء الخارجي (1967).. وإنقاذ رواد الفضاء (1968).. والمسئوليات عن الأضرار (1972).. وتسجيل المركبات في الفضاء (1975).. وشؤون الأنشطة على سطح القمر والأجرام السماوية (1979).. وتغطي هذه الأطر القانونية عدم نشر الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الفضاء. ولكن هذه المعاهدات تحتوي على ثغرات تفوق عدد الفقاقيع في أكلة «اللحوح».. أعداد الأقمار الصناعية في الفضاء اليوم تبلغ حوالي19231 ومعظمها أصبحت في حكم الكراكيب ومنها 5694 عاملة، والله أعلم عن تلك التي تقوم بأعمال عسكرية مباشرة وغير مباشرة.
أمنيـــــة
بالرغم من وجود المعاهدات والقوانين والاتفاقيات التي تحاول أن تحكم بيئة الفضاء الخارجي، إلا أن كل هذا هو أشبه بالطقطقة.. الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، وروسيا، والصين لديها منظومات عسكرية فضائية لا تعلم عنها بقية الدول. أتمنى أن يتم تعديل هذا الخلل النظامي الكبير في حوكمة استخدام الفضاء الخارجي، وأكيد أنها ضمن اهتمامات الهيئة السعودية للفضاء.. وفقها الله وسدد خطاها، وهو من وراء القصد.