"الحياة السعيدة لا تكون في غياب المشاق ولكن في السيطرة عليها، كثير من الأشخاص لديهم فكرة خاطئة عن ماهية السعادة الحقيقية؟ لا تتحقق السعادة عن طريق الإشباع الذاتي ولكن من خلال الإخلاص لهدف نبيل" كلمات خطّتها أنامل امرأة قوية واجهت أشد الصعاب في حياتها بقوة هائلة وبثت طاقة سعادة من خلال كتاباتها رغم كونها عمياء صماء!! هيلين كيلر كاتبة وأديبة أمريكية اشتهرت بكتاباتها الباعثة للضوء والأمل رغم انطفاء ضوء عينيها إلا أنّ أحرفها وهبتنا فتيلًا لإشعال نور الحياة داخلنا.
"فالحياة السعيدة لا تكون في غياب المشاق" فأنت لست في الجنّة وما زالت قدماك على سطح الأرض؛ إذًا ستُصدم وتُخذل وتحزن وتفقد وتُكسر ورغم ذلك سيمنحك الله القوة لاكمال دورة حياتك الدنيوية كاملة كما قدّرها لك، قال تعالى "لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِى كَبَدٍ" فلا أحد يخلو من مشاق الحياة وكبَدِها، ولكن الاختلاف يكمن في كيفية التعامل مع تلك المشاق وتجاوزها بسلام، فأنت من تصنع حياتك وتبني عالمك وتُحيطه بسياج عالٍ من الفكر وتحميه ببناء صلب من الوعي حتى يتكوَّن لديك القلب البصير والروح المُفعمة بالرضا.
الحياة صعبة وكل شخص فيها يخوض حروبه الخاصة به وحده ويتسلّح بكل أجندته لمواجهتها، فيكافح داخله شغبًا وفوضى ويُحارب في الخارج صعابًا شاقة ويُخفي أكوامًا من الهموم، فالإنسان مهما حاول أن يكون مثاليًا سيظل كائن ضعيف تحكمه العوامل الذاتية الداخلية والعوامل البيئية الخارجية، يعيش صراع دائم ما بين العقل والقلب في محاولة للموازنة ما بين الاحتياجات والرغبات، لديه طاقة محدودة وقدرة تحمّل مؤقتة مع البشر، ويملك ثغرات خفية وجوانب هشّة في تكوينه البشري، لذلك فإمكانية تجاوز الصعاب بثبات والتكيف السريع مع المتغيرات الناتجة عن القرارات المصيرية، والقدرة على إعادة بناء حياة جديدة بعيدًا عن أي تأثيرات مجتمعية، هي قوة لا يتقنها إلا الإنسان الصلب والواعي بحق نفسه عليه.
إذًا كيف يمكن أن تعيش بتوازن وسلام؟
- كُن أنت ببساطتك بعيدًا عن المثالية الزائفة، وارحم نفسك بإنقاذها من كل الأدوار والعلاقات التي تستنزف طاقتها وتُنهك روحها وتمتص صحتها وما تلبث أن ترميك خاويًا وخاليًا من الحياة والروح.
- اصنع لنفسك عالمًا مُحكَم الحواس؛ فلا تسمع فيه إلا ما يزيدك وعيًا ولا ترى فيه إلا ما يعطيك جمالًا ولا تتكلم فيه إلا بما يرفعك قدرًا، تخيل وكأنك تعيش في كوكبٍ خاص بك وحدك، يدور في مجرّة مراقبتك الذاتية واهتماماتك وأحلامك، عالمٌ يخلو من الآخر ولا يسكنه سواك! تستطيع خلق ذلك العالم ما دامت حياتك بين يديك كتُربة طرية تُشكِّلها كما تُحب، فخُذ حقك منها كاملًا قبل مغادرتها.
- تأكد أن أعظم خسارة ترتكبها في حق نفسك هي أن تعيش ارضاءً للآخرين، فتنساب حياتك من تحت قدميك دون أن تشعر، ألم يهبك الله روحًا حرَّة؟ فلما تشدَّ وثاقها وتجرّها خلف عبودية المجتمع الوهمية! انتشل روحك من وحل المجاملات الاجتماعية الزائفة واطلق أجنحتك نحو الحياة الحقيقية.
- امتنع عن جلد الذات والبكاء على رفات الماضي، وتيقّن بأن كل اختياراتك حتى الخاطئة منها كانت لحكمة إلٰهية خفية قد لا تعلمها وهي الأصح والأنسب لك في ذلك التوقيت، فكل تجاربك السابقة هي لتنقيتك وتهيئتك لمواجهة الحياة القادمة بصلابة وقوة أكبر، مع اليقين التام بوجود خير خلف كل ما ظننته شرًا.
- كُن حذرًا من تلك الكُرة النارية التي تكبُر داخلك حتى توصلك إلى مرحلة القشة التي ستقصم ظهرك دون سابق انذار، فالمشاعر المكبوتة والغير مُفرغة تتراكم داخل جوف ذاكرتك حتى تكوِّن كتلة من الغضب البركاني الذي سينفجر فجأة مُفجِّرًا حوله حِمم من المشاعر المُنصهرة.
- الحياة ليست سهلة فارفق بروحك ولا تجعلها مستودعًا لتراكمات الحياة بل اجعلها نافذة حُرَّة للانطلاق نحو الحياة.