كلمات كثيرة تصف موضوعنا.. غُور.. فَارقنا.. ورّينا عرض أكتافك.. كلها تعبر عن الفراق المرغوب.. ولكن أفضلها من وجهة نظري لموضوع هذا المقال هي «انقلع».. ممكن أن تطبق على الأشخاص، وعلى المواقف الصعبة، ولكن أقوى تطبيقاتها هي لرحيل الاستعمار.. تخيل أن تتجرأ دولة بأكملها على دولة أخرى، أو حضارة على حضارة أخرى قائمة فتستغلها بطرق أكثر مما تعلمناها في المدارس. تعلّمنا أن المستعمر يستغل ضحاياه اقتصادياً فينهب خياراتهم الطبيعية.. ولكن الموضوع أكبر من ذلك بكثير، فهناك المزيد من الأبعاد وتشمل: المكاسب السياسية، والدينية، والسكانية، والسياحية، والترفيهية. وأود أن أضيف المكاسب العسكرية غير المتوقعة، فعلى سبيل المثال عندما استعمرت بريطانيا الهند من عام 1858 الى 1947 جنّدت مليون هندي في الحرب العالمية الأولى في الفترة 1914 إلى 1918 لدعم قواتها في مسرح العمليات على الأراضي الأوربية.
وأما في الحرب العالمية الثانية فجنّدت أكثر من مليوني هندي لنفس السبب. وكانوا من الجنود المدربين تدريباً جيداً، وقاموا ببعض من أصعب المهام في الحربين. والمذهل هنا أن الإمبراطورية البريطانية لم تأخذ رأي هندي واحد في شأن دخول الحرب، علماً بأنها أجرت استفتاءات في هذا الشأن في مستعمراتها الأخرى مثل كندا، وأستراليا، ونيوزلندا. ولا تقتصر غرائب الاستعمار على الحروب فحسب، فمن غرائب التجاوزات الإنسانية هي إجبار بعض الشعوب على تصرفات غير مقبولة ومنها استهلاك الأفيون.. وإن كنتَ تعتقد أن هذا طرحٌ من الخيال، فانظر في تاريخ جزيرة هونج كونج التي تم الاستيلاء عليها من الصين لتصبح تابعة لبريطانيا من عام 1842 إلى عام 1997.
كانت تلك السيطرة بسبب خسارة الصين أمام القوات البريطانية في حربي الأفيون الأولى عام 1839 والثانية عام 1856، وكلتاهما بدوافع إصرار بريطانيا على اباحة استخدام الأفيون في الصين. والسبب كان لتعديل ميزان المدفوعات البريطاني لاستيراد الشاهي من الصين مقابل تصدير الأفيون من شبه القارة الهندية التابعة للإمبراطورية البريطانية.
وحتى عندما يخرج المستعمر فهو يترك خلفه العديد من المشاكل الاقتصادية، والفكرية، والسياسية، والعسكرية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، خرجت بريطانيا رسمياً من مصر الشقيقة في عام 1922 ولكنها تركت «مسمار جحا» وهو عبارة عن ثمانين ألف جندي «لحماية» قناة السويس. وكانت تلك القوات بذرة خلافات كبرى مستقبلية تبلورت في العدوان الثلاثي الغاشم عام 1956. وفي الهند تركت الإمبراطورية فتيل الخلافات بين الهند والباكستان التي استمرت إلى اليوم. وفي عدن التي رحلت عنها في نوفمبر 1967 بعد 128سنة من الاحتلال تركت بذور الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. وتوج الاستعمار مصائبه بكارثة فلسطين. دخلوها آمنة في ديسمبر 1917 وحرصوا على تنفيذ الوعد الرسمي الذي أعلنه وزير خارجيتهم «آرثر بلفور» بإنشاء الكيان الصهيوني، وانقلعوا في مايو 1947 وخلفوا الدمار الإنساني بجميع أبعاده.
ولا يقتصر موضوعنا على الاستعمار البريطاني، فقصص من انقلعوا وخلّفوا المشاكل الكبرى كثيرة وتشمل الاستعمار بجنسياته المختلفة: الفرنسية في الجزائر الشقيق، والهولندية في إندونيسيا، والبلجيكية في الكونجو، وغيرهم.. كلهم انقلعوا بتاريخ لا يُحسدون عليه.
أمنيـــــة
كانت كتابة هذا المقال صعبة جداً لأنني شعرت بالمعاناة النفسية التي عاشها ضحايا الاستعمار عبر التاريخ. شعرت بمعاناة الأشقاء في مصر، والسودان، وفلسطين، وعدن، والعراق وكل الذين تعرضوا للظلم، والسلب، ومحاولات الإهانة عبر سنوات طويلة.
أتمنى أن نتذكر أن إحدى نعم الله علينا في هذا البلد الآمن أننا لم نتعرض لشرور الاستعمار بأشكاله وألوانه المختلفة ولله الحمد، وهو من وراء القصد.
وأما في الحرب العالمية الثانية فجنّدت أكثر من مليوني هندي لنفس السبب. وكانوا من الجنود المدربين تدريباً جيداً، وقاموا ببعض من أصعب المهام في الحربين. والمذهل هنا أن الإمبراطورية البريطانية لم تأخذ رأي هندي واحد في شأن دخول الحرب، علماً بأنها أجرت استفتاءات في هذا الشأن في مستعمراتها الأخرى مثل كندا، وأستراليا، ونيوزلندا. ولا تقتصر غرائب الاستعمار على الحروب فحسب، فمن غرائب التجاوزات الإنسانية هي إجبار بعض الشعوب على تصرفات غير مقبولة ومنها استهلاك الأفيون.. وإن كنتَ تعتقد أن هذا طرحٌ من الخيال، فانظر في تاريخ جزيرة هونج كونج التي تم الاستيلاء عليها من الصين لتصبح تابعة لبريطانيا من عام 1842 إلى عام 1997.
كانت تلك السيطرة بسبب خسارة الصين أمام القوات البريطانية في حربي الأفيون الأولى عام 1839 والثانية عام 1856، وكلتاهما بدوافع إصرار بريطانيا على اباحة استخدام الأفيون في الصين. والسبب كان لتعديل ميزان المدفوعات البريطاني لاستيراد الشاهي من الصين مقابل تصدير الأفيون من شبه القارة الهندية التابعة للإمبراطورية البريطانية.
وحتى عندما يخرج المستعمر فهو يترك خلفه العديد من المشاكل الاقتصادية، والفكرية، والسياسية، والعسكرية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، خرجت بريطانيا رسمياً من مصر الشقيقة في عام 1922 ولكنها تركت «مسمار جحا» وهو عبارة عن ثمانين ألف جندي «لحماية» قناة السويس. وكانت تلك القوات بذرة خلافات كبرى مستقبلية تبلورت في العدوان الثلاثي الغاشم عام 1956. وفي الهند تركت الإمبراطورية فتيل الخلافات بين الهند والباكستان التي استمرت إلى اليوم. وفي عدن التي رحلت عنها في نوفمبر 1967 بعد 128سنة من الاحتلال تركت بذور الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. وتوج الاستعمار مصائبه بكارثة فلسطين. دخلوها آمنة في ديسمبر 1917 وحرصوا على تنفيذ الوعد الرسمي الذي أعلنه وزير خارجيتهم «آرثر بلفور» بإنشاء الكيان الصهيوني، وانقلعوا في مايو 1947 وخلفوا الدمار الإنساني بجميع أبعاده.
ولا يقتصر موضوعنا على الاستعمار البريطاني، فقصص من انقلعوا وخلّفوا المشاكل الكبرى كثيرة وتشمل الاستعمار بجنسياته المختلفة: الفرنسية في الجزائر الشقيق، والهولندية في إندونيسيا، والبلجيكية في الكونجو، وغيرهم.. كلهم انقلعوا بتاريخ لا يُحسدون عليه.
أمنيـــــة
كانت كتابة هذا المقال صعبة جداً لأنني شعرت بالمعاناة النفسية التي عاشها ضحايا الاستعمار عبر التاريخ. شعرت بمعاناة الأشقاء في مصر، والسودان، وفلسطين، وعدن، والعراق وكل الذين تعرضوا للظلم، والسلب، ومحاولات الإهانة عبر سنوات طويلة.
أتمنى أن نتذكر أن إحدى نعم الله علينا في هذا البلد الآمن أننا لم نتعرض لشرور الاستعمار بأشكاله وألوانه المختلفة ولله الحمد، وهو من وراء القصد.