أدى هذا الانتشار الكبير لمواقع السوشيال ميديا - وبخاصة مع ظهور أجيال من الهواتف الذكية وأجهزة الحاسب اللوحية - إلى سهولة الدخول على هذه المواقع، كما أن هذه الأجهزة سهلة الحمل والتنقل مع صاحبها بصورة متواصلة وبشكل شبه دائم.
فضل الكثيرون قضاء جزء من الوقت على هذه المواقع، إلا أن الأمر تجاوز لدى البعض إلى استخدام مفرط لها والبقاء لأوقات طويلة عليها، مما أثر في حياتهم وسلوكياتهم الاجتماعية، كما دفع البعض إلى إطلاق مسمى إدمان مواقع التواصل الاجتماعي على هذه الحالة.
ظهرت أجيال من الأطفال والشباب تقضي معظم اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي والفضاء الإلكتروني، لدرجة أنهم لا يستطيعون البعد والتخلي عن هذه المواقع لبضع دقائق، مما كان له مردود سيئ للغاية على هذه الأجيال، بل يصل الأمر إلى تدمير الحياة الواقعية للكثير من هؤلاء المدمنين.
واطلقت جمعية المودة للتنمية الأسرية حملة "استخدمها لا تدمنها" للتوعية من اضرار وسائل التواصل على الأسرة والمجتمع.
سلوك قهري
يعرف الإدمان بصفة عامة بأنه سلوك قهري يتسبب في تأثيرات سلبية على المدمن، وبالنسبة لإدمان مواقع التواصل الاجتماعي فإنه يعني استخدام الشخص لها بصورة قهرية، فمثلاً يقضي أغلب وقته في تصفح التحديثات ومتابعة حساباته المتنوعة. يضاف إلى ما سبق أنه لا ينام قبل الإجابة على المنشورات والتغريدات والرسائل التي تصله، وبالذات بالنسبة للمراهقين، بل يصل الأمر لدى البعض إلى أنه يستيقظ من النوم مع كل تنبيه للهاتف الذكي، وربما أجاب على بعض الإشعارات وهو نصف نائم. حدد الأطباء بعض الأعراض التي تظهر على المصاب بهذا النوع من الإدمان، ومنها الاستخدام المفرط لهذه المواقع، ما يؤدي إلى إصابته بالقلق، وربما تطور في بعض الحالات إلى اكتئاب.
إجهاد العين
تتعدد الآثار السلبية التي تظهر بسبب إدمان شبكات التواصل الاجتماعي، وتشمل آثاراً جسدية وأخرى نفسية واجتماعية. تبدأ الآثار الجسدية بإصابة مدمن هذه المواقع بالسمنة، وذلك لأنه يظل فترة طويلة جالساً أمام شاشة هاتفه أو حاسبه الآلي. يتسبب طول فترة الجلوس لإصابات في العمود الفقري، وإذا كان الشخص يستخدم سماعات الأذن لفترات طويلة فإن هذا يؤثر بالتبعية في حاسة السمع لديه. تمتد كذلك لإصابة العين بالإجهاد، لأن الشاشات ينبعث منها إشعاعات تؤثر في العين، كما أن حمل الهاتف فترة طويلة، وأيضاً استخدام لوحة المفاتيح يتسبب في إصابة اليد بآلام حادة، نتيجة الضغط على أوتار الأصابع عند الكتابة على الهاتف أو لوحة المفاتيح، ويمكن أن يصل الأمر في بعض الحالات الشديدة للإصابة بمتلازمة النفق الرسغي.
الانسحاب من الحياة
تشمل الآثار النفسية والاجتماعية الانسحاب من الحياة الاجتماعية، وغياب الرقابة الأبوية، بسبب صعوبة مراقبة الأبناء طول الوقت عبر ما يستخدمونه من شاشات. يعاني مدمن شبكات التواصل الاجتماعي من انخفاض تقدير الذات، وانشغال عقله بأمور لا فائدة منه، ولا يجد رغبة لديه في الحصول على تفاعل اجتماعي حقيقي، مقابل ما يمكن أن يحصل عليه بنقرة واحدة. يتولد لديه مشاعر من الحسد بسبب متابعة لحياة الآخرين، وتغيب لغة الحوار بينه وبين الآخرين، وفي أحيان كثيرة فإن الأمر يتطور لشجار بينه وبين أصدقائه المقربين وأفراد عائلته.
سعادة كاذبة
يرجع الباحثون الإصابة بإدمان مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن دماغ المدمن تفرز كمية صغيرة من الدوبامين، وهو الهرمون المسؤول عن السعادة والرضا، عندما يصله إشعار من أحد حساباته على هذه المواقع، ومع كل إشعار يصل المدمن فإن دماغه يصبح متحمساً. يتكرر الأمر بمرور الوقت، وهو ما يترتب عليه أن الشخص ينتظر هذه الإشعارات من أجل أن يحصل على هذا القدر من السعادة. يقع الشخص بالتالي في السلوك الإدماني، حيث يعتمد عليه بشكل قهري للشعور بالسعادة، فهو عندما يرى أحد الأصدقاء يعلق على منشور كتبه أو شاركه، أو حتى الاكتفاء بأحد علامات التفاعل، كالإعجاب أو الدعم، فإنه يشعر بالسعادة البالغة.
يؤدي استمرار الأمر بهذا الشكل إلى أن يفقد الشخص الإحساس بنفس القدر من السعادة، مع استمرار السلوك القهري في متابعة هذه المواقع مع شعور بالعزلة والاكتئاب، لأنه يبتعد عن أي نشاط اجتماعي حقيقي، وبالتالي يسقط في دائرة إدمانها.
ابدأ بتصفحها
يعاني مدمن مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من الأعراض، ويعد أول هذه العلامات أن يبدأ يومه عقب الاستيقاظ بتصفح حسابات المختلفة على سائر هذه المواقع. يقوم الكثيرون بهذا الأمر بمجرد الإمساك صباحاً بالهاتف الذكي، إلا أن المدمن يفعله بشكل قهري وملحّ، حتى إنه يشعر أن هناك الكثير الذي فاته من أخبار وتحديثات عندما كان نائماً. يقضي المدمن وقتاً طويلاً على صفحات التواصل المختلفة، متابعاً للأخبار والتحديثات أولاً بأول، ويصل لدرجة أنه يؤثر في إنتاجيته في العمل، وفي بعض الأحيان يؤثر في مختلف أنشطته اليومية.
يفقد المدمن التواصل مع الأصدقاء الحقيقيين، ويكتفي فقط بالأصدقاء الافتراضيين، وبسبب أنه يظل محدقاً لشاشة هاتفه أو جهازه اللوحي وقتاً طويلاً، فإن شعور الوحدة والعزلة يسيطر عليه، مما يؤدي إلى عدم رضاه عن نفسه وافتقاده للسعادة.
الشعور بالكارثة
يعاني مدمن السوشيال ميديا من القلق والاضطراب والشعور بالكارثة الشديدين عندما لا يتمكن من الدخول لأحد هذه المواقع، بسبب مشكلة في الجهاز أو في الاتصال بشبكة الإنترنت. يمكن أن يصل الأمر لدى البعض للإصابة بالاكتئاب، إذا ظل فترة طويلة منقطعاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى العكس فإنه يشعر بالسعادة والراحة النفسية بمجرد معاودة الاتصال. تظهر أحياناً أعراض نفسية انسحابية عندما يحاول المدمن تقليل وقت تصفح مواقع التواصل، كما أنه يتصفح حساباته المختلفة عندما يخلد للنوم، مما يتسبب في إصابته بالأرق.