أواصل الحديث عن النمو العقلي للمراهق وعلاقته بالمنهج المدرسي؛ إذ يزيد فهم المراهق لمعاني ما يستخدمه من ألفاظ، ويميل إلى الموضوعات الاجتماعية، وقصص المغامرات، وما يتصل بالاختراعات، وقصص البطولة والعبقرية، والموضوعات العاطفية والسياسية، وقد ينظُم المراهق الشعر أو يكتب النثر المطول، ولكن إنتاجه يكون فجاً وغير عميق، وقد يُدوِّن مذكرات يومية لنفسه.
ويختلف تخيل المراهق عن تخيله قبل سن المراهقة؛ إذ يكون فيه ترتيب وتجريد، وتكثر أحلام اليقظة، وقد يُسرف المراهق في هذه الأحلام، فتصبح مضيعة للوقت؛ لذا يجب مراعاة هذه الجوانب في النمو العقلي للمراهق في بناء المنهج المدرسي؛ إذ ينبغي أن يعتني بإشباع حب استطلاع التلاميذ فيما يحيط بهم من ظواهر اجتماعية وطبيعية، ويتم توجيه التلاميذ تحت إشراف المدرسين إلى جمع ما يستطيعون جمعه من معلومات عن هذه الظواهر بحيث يستغل هذا ما لديهم من ميل إلى المعرفة، ويشبع هذا الميل، ويجعل المواد الدراسية المختلفة حية ذات جانب تطبيقي عملي يستطيعونه ويفيدهم في حياتهم، وعلى المنهج المدرسي أن يعتني بتهيئة التلاميذ لمجالات اتصالهم المباشر بظواهر المجتمع ونظمه ومشكلاته المختلفة تحت إشراف المدرسين في التربية الوطنية، وفي دراسة المجتمع، وفي الاجتماع، ليزداد فهمهم لهذه الظواهر، وليساعد هذا على نموهم المتكامل كمواطنين، ويقوم التلاميذ بدراسة تاريخية منظمة تعنى بتطور الظواهر والأوضاع المختلفة، ويستغل المنهج المدرسي ميل التلاميذ إلى التجريب فيوجههم إلى القيام بهذا في ميادين دراساتهم، بخاصة في العلوم الطبيعية وعلم الأحياء، ويحرص المدرسون باستمرار على إرشاد التلاميذ إرشادًا عملياً يجعل حب استطلاعهم لا ينحرف عن الاتجاهات السليمة المرغوب فيها.
ومن خلال النشاط المدرسي يمكن التعرف على ميول التلاميذ واستعداداتهم وقدراتهم لتستخدم ضمن أسس توجيههم في الدراسة والنشاط بما يناسب كل فرد منهم، ويساعد على نموه المتكامل المنشود، كما أنَّ التعرف على الميول والاستعدادات والقدرات في هذه المرحلة يتخذ ضمن أسس توجيه التلميذ إلى نوع التعليم الذي يناسبه، أو نوع المهنة التي يستطيع النجاح فيها.
وعلى المنهج المدرسي أن يستغل زيادة قدرة التلميذ على الانتباه، وتركيز التفكير، فيزيد من طول فترة كل درس أكثر ممَّا كان في المرحلة السابقة، ويكون لهذه القدرة أثرها في اختيار موضوعات كل مادة من المواد الدراسية، ومحتويات كل موضوع منها، وما يتصل به من نشاط، ويكون تعليم المراهق بوجه عام مبنياً على الفهم المنطقي وإدراك العلاقات. ويرتفع مستوى تدريس اللغة العربية وآدابها ارتفاعًا تدريجيًا يتمشى مع زيادة فهم المراهق لمعاني ما يستخدمه من ألفاظ. ويراعي المنهج المدرسي الموضوعات والنواحي التي يميل إليها التلميذ المراهق فيستخدمها المنهج استخدامًا موجهًا يساعد هذا المراهق على زيادة فهم الظواهر الطبيعية والاجتماعية والثقافية في الحياة، ويجعل القراءة ميلاً قوياً عنده، وهواية محببة حتى بعد انتهاء سنوات المدرسة، وإذا ظهرت بذور موهبة أدبية في الشعر، أو النثر فإنَّ المدرسين يشجعونها ويوجهون أصحابها إلى قراءات وكتابات تساعد على نموها السليم.
هذا ويستغل المنهج المدرسي تخيل المراهق كأساس من أسس توجيهه في الأدب، وفي التفكير في النواحي المعنوية، ويعتمد المدرسون على ناحية أحلام اليقظة عند المراهق فيوجهونها بحيث تساعد على حماسته في دراسة المشكلات الاجتماعية، وفي تكوين لجان لدراسة المشروعات الخيرية والإسهام فيها.
ومعنى هذا كله أنَّ التدريس في مرحلة المراهقة يكون أعلى في المستوى ممَّا كان عليه في مراحل النمو الأخرى، وينبغي أن نكون دقيقين في فهم التلاميذ حين نقوم بتنفيذ المنهج المدرسي حتى لا نخطئ في تقدير مستوياتهم.
أمّا النمو الانفعالي ونشاطه في فترة المراهقة فيكون كبيرًا جدًا، ويختلف عمَّا يكون عليه في مرحلتي النمو السابقتيْن، وعمَّا سيكون فيما بعد المراهقة، ويؤثر هذا النشاط الانفعالي في جميع أنماط سلوك المراهق.
ولا تكون مظاهر هذا النشاط الانفعالي واحدة طول الوقت، بل أنَّ بعضها يظهر مدة من الزمن ثُم تقل حدتها أو تختفي، في حين أنَّ بعضها الآخر يستمر وجوده.
من هنا ينبغي أن تراعي المناهج مظاهر النشاط الانفعالي التي لا تكون على وتيرة واحدة طوال فترة المراهقة، ما دامت هذه المظاهر تتأثر بعوامل كثيرة، وتختلف باختلاف الأفراد. (للحديث صلة).