تولَّد هذا السؤال لديَّ عقب قراءتي كتاب المفكر هاشم صالح (الانسداد التاريخي.. لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي؟)، ففي كل مرة أقرأ له أجده يستفرغ جهده لتعداد مناقب التنوير الأوروبي وبيان العوائق التي حالت دون تمدده في العالم العربي، حيث يأتي التراث المقدس -كما يرى- في مقدمتها.. هاشم يبدو أنه وصل لدرجة من الإحباط جعلته يظن أن العالم العربي كله على مستوى واحد في مقاومته للتنوير، ما جعله يحشد عوائق عديدة بعضها ليس سببًا حقيقيًّا في إفشال مشروع التنوير، مع أن للتنوير حضوره في العالم العربي.
نحترم في هاشم حرصه على العالم العربي واهتمامه بتقدمه ورقيه، لكن (وكونه مفكرًا) فلا نظنه إلا يبحث عن الحق ويجلي الحقيقة، ولذلك فهو يعلم يقينًا أن أهم سببين لقيام التنوير الأوروبي هما (هيمنة الكنيسة واستبداد السلطات الأوروبية الحاكمة)، فهل ما تقوم به المؤسسات الدينية الإسلامية والسلطات العربية اليوم يطابق تمامًا ما كان حاصلاً في أوروبا؟ إن كان كذلك فلماذا يركز كثيرًا على أحد حدَّي المعادلة (المؤسسات الدينية) ويكتفي -وغيره- بالإشارة من طرف خفيٍّ للحد الآخر (السلطات الحاكمة)؟
أمر آخر (صادم) وهو أن النظرية السائدة تقول إن فلاسفة الأنوار هم من صنع (الثورة الفرنسية) وما تلاها من تحوُّلات جذرية في الحياة الأوربية، في حين يرى (أبوبكر العيادي) في مقاله (فكر الأنوار لم يصنع الثورة الفرنسية) في مجلة الجديد اللندنية أن «الثابت اليوم أن الثورة الفرنسية لم يقم بها المفكرون والفلاسفة، بل أناس غمر من أهل الصنائع والفقراء والمهمشِين ممن ضاقت بهم سبل العيش، ولم يكونوا على علم بالأنوار وأفكارهم ومؤلفاتهم»، مؤكدًا أن فلاسفة الأنوار لم يكونوا «مجموعة منسجمة لها مقترحات نظرية يمكن أن يتبناها المرء بسهولة، وغاية ما كان جدل واسع رافق جهود كتاب أوروبيين طرحوا مسألة تحول المجتمعات التقليدية، كالنظر في هيمنة الكنائس على المعتقدات بشكل جعل الممارسة محدودة؛ وتطوير المدن والتجارة الذي لم يعد يسمح ببقاء الاتفاق الاجتماعي السياسي الذي يمنح النبلاء امتيازات كبرى»، وهو بهذا يؤكد على أن فلاسفة التنوير ليسوا كل شيء في الحضارة الأوروبية الحديثة، بل طرح آراء عدد من المؤرخِين المعاصرِين الذين فندوا نظرية صناعة الفلاسفة للثورة الفرنسية.. يأتي هاشم صالح فيجعل (التراث المقدس) أهم سبب حال دون نجاح مشروع التنوير في العالم العربي وتسبب في تخلفه، مع أن التراث المقدس لا يحرِّم صناعة السيارات والطائرات والحاسبات والقطارات والسفن والسلاح والمنتجات الدوائية والتقنية وغيرها مما هو (سبب حقيقي) في التقدم والرقي وقوة الشعوب والحكومات، بل يؤكد على ضرورتها.
نعم للتراث المقدس رأيه المعارض (للغناء والفسوق واللهو والاختلاط...)، ولكن السؤال: هل تقوم بمثل هذه الأمور حضارة ورقي؟ وإن كان للتراث المقدس بعض المعارضات على أمور ذات نفع فالرأي الأخير في مثل هذه الحال يبقى للسلطات الحاكمة التي تستطيع أن تُقر ما تراه نافعًا مادام أنه ثبت نفعه وتحيِّد رأي التراث المقدس فيه.
هاشم في كتابه هذا أورد عددًا من الأسباب الأخرى التي أدت لفشل التنوير في العالم العربي، وقد أنصف حين أشار لسببين يتحاشاهما البعض وهما (انخراط العرب في صراعات مفروضة عليهم والتناقض الفاضح بين المبادئ المثالية المعلنة والسياسات الأوروبية الغربية)، غير أن من أطرف الأسباب التي يراها أفشلت مشروع التنوير هو البترول؛ كونه «يعطي دفعة هائلة للحركات الأصولية والشعبوية الأكثر تخلفًا»، وكأن هذه الحركات هي المتحكمة في إنتاج البترول وتسويقه وليست الحكومات، وكأنه لم يرَ الفارق الحضاري الذي أحدثه البترول في دول الخليج البترولية مقارنة بغيرها.. وكي يدلل على وجود كهنوت ومحاكم تفتيش في العالم الإسلامي نراه يجعل للشيخ ابن باز «سطوة لاهوتية لا تقل جبروتًا عن سطوة باباوات روما في العصور الوسطى»، وكأنه لا يعلم أن سطوة ابن باز كانت على الأمور التي لا تقوم بها حضارة ولا تحقق تقدمًا نهضويًّا وقد أوردتُ بعضًا منها، ها هو (ابن باز) يقول عن غيرها مما تقوم به حضارات الأمم «أما شيء لا يخالف شرع الله.. مصانع، مراكب، مراكب الفضاء، مكائن زراعية... هذا كله طيب ونافع»، مؤكِّدًا على أن «الإسلام يحث على العلم ويحث على ما ينفع الناس».
نحترم في هاشم حرصه على العالم العربي واهتمامه بتقدمه ورقيه، لكن (وكونه مفكرًا) فلا نظنه إلا يبحث عن الحق ويجلي الحقيقة، ولذلك فهو يعلم يقينًا أن أهم سببين لقيام التنوير الأوروبي هما (هيمنة الكنيسة واستبداد السلطات الأوروبية الحاكمة)، فهل ما تقوم به المؤسسات الدينية الإسلامية والسلطات العربية اليوم يطابق تمامًا ما كان حاصلاً في أوروبا؟ إن كان كذلك فلماذا يركز كثيرًا على أحد حدَّي المعادلة (المؤسسات الدينية) ويكتفي -وغيره- بالإشارة من طرف خفيٍّ للحد الآخر (السلطات الحاكمة)؟
أمر آخر (صادم) وهو أن النظرية السائدة تقول إن فلاسفة الأنوار هم من صنع (الثورة الفرنسية) وما تلاها من تحوُّلات جذرية في الحياة الأوربية، في حين يرى (أبوبكر العيادي) في مقاله (فكر الأنوار لم يصنع الثورة الفرنسية) في مجلة الجديد اللندنية أن «الثابت اليوم أن الثورة الفرنسية لم يقم بها المفكرون والفلاسفة، بل أناس غمر من أهل الصنائع والفقراء والمهمشِين ممن ضاقت بهم سبل العيش، ولم يكونوا على علم بالأنوار وأفكارهم ومؤلفاتهم»، مؤكدًا أن فلاسفة الأنوار لم يكونوا «مجموعة منسجمة لها مقترحات نظرية يمكن أن يتبناها المرء بسهولة، وغاية ما كان جدل واسع رافق جهود كتاب أوروبيين طرحوا مسألة تحول المجتمعات التقليدية، كالنظر في هيمنة الكنائس على المعتقدات بشكل جعل الممارسة محدودة؛ وتطوير المدن والتجارة الذي لم يعد يسمح ببقاء الاتفاق الاجتماعي السياسي الذي يمنح النبلاء امتيازات كبرى»، وهو بهذا يؤكد على أن فلاسفة التنوير ليسوا كل شيء في الحضارة الأوروبية الحديثة، بل طرح آراء عدد من المؤرخِين المعاصرِين الذين فندوا نظرية صناعة الفلاسفة للثورة الفرنسية.. يأتي هاشم صالح فيجعل (التراث المقدس) أهم سبب حال دون نجاح مشروع التنوير في العالم العربي وتسبب في تخلفه، مع أن التراث المقدس لا يحرِّم صناعة السيارات والطائرات والحاسبات والقطارات والسفن والسلاح والمنتجات الدوائية والتقنية وغيرها مما هو (سبب حقيقي) في التقدم والرقي وقوة الشعوب والحكومات، بل يؤكد على ضرورتها.
نعم للتراث المقدس رأيه المعارض (للغناء والفسوق واللهو والاختلاط...)، ولكن السؤال: هل تقوم بمثل هذه الأمور حضارة ورقي؟ وإن كان للتراث المقدس بعض المعارضات على أمور ذات نفع فالرأي الأخير في مثل هذه الحال يبقى للسلطات الحاكمة التي تستطيع أن تُقر ما تراه نافعًا مادام أنه ثبت نفعه وتحيِّد رأي التراث المقدس فيه.
هاشم في كتابه هذا أورد عددًا من الأسباب الأخرى التي أدت لفشل التنوير في العالم العربي، وقد أنصف حين أشار لسببين يتحاشاهما البعض وهما (انخراط العرب في صراعات مفروضة عليهم والتناقض الفاضح بين المبادئ المثالية المعلنة والسياسات الأوروبية الغربية)، غير أن من أطرف الأسباب التي يراها أفشلت مشروع التنوير هو البترول؛ كونه «يعطي دفعة هائلة للحركات الأصولية والشعبوية الأكثر تخلفًا»، وكأن هذه الحركات هي المتحكمة في إنتاج البترول وتسويقه وليست الحكومات، وكأنه لم يرَ الفارق الحضاري الذي أحدثه البترول في دول الخليج البترولية مقارنة بغيرها.. وكي يدلل على وجود كهنوت ومحاكم تفتيش في العالم الإسلامي نراه يجعل للشيخ ابن باز «سطوة لاهوتية لا تقل جبروتًا عن سطوة باباوات روما في العصور الوسطى»، وكأنه لا يعلم أن سطوة ابن باز كانت على الأمور التي لا تقوم بها حضارة ولا تحقق تقدمًا نهضويًّا وقد أوردتُ بعضًا منها، ها هو (ابن باز) يقول عن غيرها مما تقوم به حضارات الأمم «أما شيء لا يخالف شرع الله.. مصانع، مراكب، مراكب الفضاء، مكائن زراعية... هذا كله طيب ونافع»، مؤكِّدًا على أن «الإسلام يحث على العلم ويحث على ما ينفع الناس».