أسبوعنا الثقافي تقاسمه حدثان؛ أحدهما محلي احتفائي، والآخر عالمي فضائحي.. رأينا جميعاً كيف رقص الأحبة المثقفون العرضةَ على سحاب السودة في ملتقى الأدباء السعوديين الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة بمدينة أبها.. رأينا مثقفينا يرقصون ويمرحون (ولا حسد)، لكننا لم نرهم يتحدثون ويناقشون إلا لمماً، ذلك لأن الملتقى لم يكن منقولاً عبر أية وسيلة إعلامية إلكترونية أو فضائية... اللهم لا اعتراض. الحدث الآخر لخّصه تقريرُ صحيفة الجارديان الإنجليزية؛ تحت عنوان (A master of self-promotion: letters reveal how Philip Roth ‘hustled’ for prizes - خبير في الترويج للذات: الرسائل تكشف هوَس فيليب روث باصطياد الجوائز).. يركز التقرير على فضيحة الروائي الأمريكي الشهير فيليب روث الذي اعتمد في شهرته الأدبية على العلاقات العامة والمنافع المتبادلة مع النقاد والناشرين والأكاديميين.. وقد نشرت الجارديان تقريرها هذا بعد يوم من نهاية (ملتقى الأدباء).. لا أعتقد أن هناك صلة؟ ولا أعتقد أن أحداً يعتقد... معاذ الله..!!
كانت رواية (وداعاً كولومبوس) إعلانَ التدشين الحقيقي لرحلة روث في الكتابة بدءاً من العام 1959م، ظل بعدها ينشر أعماله سردية حتى وفاته في العام 2018م.. ومن رواياته الشهيرة (The Plot Against America- مؤامرة ضد أمريكا)، و( I Married a Communist- تزوجت شيوعياً)، وكذلك طبعاً (The Ghost Writer - الكاتب الشبح).. يعد روث أحد أكثر الكتاب العالميين حصولاً على الجوائز الأدبية المختلفة؛ يمكن القول إن كل أعماله السردية فازت أو رُشّحت للفوز بجائزة ما من الجوائز التي تقدمها مؤسسات رسمية أو خاصة.. وهو بهذا يكون أحد أكثر الكتاب تأثيراً في العالم، وقد ظهرت أعماله على شاشات السينما والتلفاز؛ ولعل فيلم (-The Human Stain الوصمة البشرية) أحد أشهر الأمثلة، حيث ظهر عام 2003 ببطولة أنطوني هوبكنز ونيكول كيدمان، وهو مأخوذ عن رواية بذات العنوان لفيليب روث.. كما اقتُبستْ أعمال أخرى له، ظهر فيها ألبتشينو وإيون مقريقر ولوقن ليرمان وغيرهم.
قضى جاك بيرلينيرلو، البروفيسور بجامعة جورج تاون، السنوات الماضية ينبش في رسائل روث، ليكتشف أسراراً كثيرة حول شخصيته النفعية والانتهازية بشكل مريب.. كان فيليب روث صيّادَ جوائز جشعاً، يمكن أن يفعلَ أي شيء ليضمن ترشّحَ عمله هذا أو ذاك لهذه الجائزة أو تلك.. كان روث أستاذاً في تسويق الذات عبر كل الطرق المشبوهة؛ تُظهر الرسائلُ -كما تؤكد الصحيفة- شبكةَ علاقات عامة كان الروائي الأمريكي يديرها من أجل أن يظل اسمه حاضراً في عالم الشهرة الأدبية، الصادم في هذه الرسائل -يحكي بيرلينيرلو- هو مقدار الوقت والجهد اللذين أمضاهما روث في العلاقات العامة، ومطاردة الناس، بل العمل حثيثاً على وضع أشخاص في مناصب أكاديمية ولجان جوائز معينة، وتنظيم حملات للتصويت لهم، ليضمن أن يردّ هؤلاء الجميلَ بترشيح أعماله والإسهام في شهرتها.. «هناك عدد لا حصر له -يضيف بيرلينيرلو- من الأصدقاء في مجال النشر والأوساط الأدبية الذين قدم لهم روث معروفًا ما، وحرص أن يردوا الدين له».
كان مضمون معظم الرسائل يدور في الغالب حول تبادل المصالح بين روث وأصدقائه؛ «كيف يمكنهم مساعدة بعضهم البعض بهذه الجائزة أو ذلك المنصب».. تكشف المراسلات -مثلاً- عن علاقة روث بناقد أدبي ترأس لجنةَ إحدى الجوائز عن طريق ترشيح روث نفسه.. يهنئ الناقد في الرسالة صديقه روث بالفوز بالجائزة، ويشكره على مساعدته، كما يطلب من روث -بالمقابل- مساعدته في الحصول على منصب أكاديمي يتطلع إليه!! وهكذا يمضي التقرير في سرد أمثلة مشابهة مستخلصة من قائمة الرسائل.
بالنسبة لي كانت معرفتي بفيليب روث سطحية؛ تعرفت عليه تقريباً بعدما شاهدت فيلم (The Human Stain – الوصمة البشرية)، ذهبت بعد مشاهدة الفيلم واشتريت الرواية، وكالعادة كان هناك مسافة بين الكتاب والفيلم، كلاهما أعجبني في المجمل.
كذلك تظل معرفتي بملتقى الأدباء سطحية، لا أعرف ظروف تنظيمه، ولا أعلم فعلاً ما دار فيه، غير رقصة الأصدقاء على تغريدات الصديقات.. يمكن القول إن تنظيمه كان أشبهَ بـ»سالفة خاصة»، أو بـ»كلمة راس»، لم يُرَدْ لها أن تنتشر..!! اللهم لا اعتراض.. عموماً؛ لو عرفت لحضرتُ على حسابي؛ كنت سأبتاع تذكرةَ سفرة مثلما ابتعت تذكرةً لفيلم «الوصمة البشرية»، ولاخترتُ لنفسي غرفةً صغيرة نائية، مثل أي كاتبٍ شبحي، لا تهمه الجوائز... ولا صائدوها!!